التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٩٩
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ
٢٠٠
وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ
٢٠١
أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٢٠٢
-البقرة

مقاتل بن سليمان

{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ }، وذلك الحمس، قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، كانوا يبيتون بالمشعر الحرام، ولا يخرجون من الحرم خشية أن يقتلوه، وكانوا لا يقفون بعرفات، فأنزل الله عز وجل فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات، فقال لهم: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ }، يعني ربيعة، واليمن كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، ويفيضون من جمع إذا طلعت الشمس، فخالف النبى صلى الله عليه وسلم فى الإفاضة، { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } لذنوبكم، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لذنوب المؤمنين { رَّحِيمٌ } [آية: 199] بهم.
{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } بعد أيام التشريق، { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ }، وذلك أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى وبين الجبل يذكر كل واحد منهم أباه ومحاسنه، ويذكر صنائعه فى الجاهلية أنه كان من أمره كذا وكذا، ويدعو له بالخير، فقال الله عز وجل: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ }، كذكر الأبناء الآباء، فإنى أنا فعلت ذلك الخير إلى آبائكم الذين تثنون عليهم، ثم قال سبحانه: { أَوْ أَشَدَّ }، يعنى أكثر { ذِكْراً } لله منكم لآبائكم، وكانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا: اللهم أكثر أموالنا، وأبناءنا، ومواشينا، وأطل بقاءنا، وأنزل علينا الغيث، وأنبت لنا المرعى، وأصحبنا فى سفرنا، وأعطنا الظفر على عدونا، ولا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئاً، فأنزل الله تعالى فيهم: { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا }، يعنى أعطنا { فِي ٱلدُّنْيَا }، يعنى هذا الذى ذكر، فقال سبحانه: { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [آية: 200]، يعنى من نصيب، نظيرها فى براءة:
{ { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } [التوبة: 69]، يعنى بنصيبهم، فهؤلاء مشركو العرب. فلما أسلموا وحجوا دعوا ربه، فقال سبحانه { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [آية: 201]، أى دعوا ربهم أن يؤتيهم { فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً }، يعنى الرزق الواسع، وأن يؤتيهم { وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً } فيجعل ثوابهم الجنة، وأن يقيهم { عَذَابَ ٱلنَّارِ }.
ثم أخبر عنهم، فقال: { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ }، يقول: حظ من أعمالهم الحسنة، { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [آية: 202]، يقول: كأنه قد كان، فهؤلاء المؤمنون.