التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

مقاتل بن سليمان

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ }، يعنى القمار، نزلت فى عبدالرحمن بن عوف، وعمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، ونفر من الأنصار، رضى الله عنهم، وذلك أن الرجل كان يقول فى الجاهلية: أين أصحاب الجزور، فيقوم نفر، فيشترون الجزور، فيجعلون لكل رجل منهم سهم، ثم يقرعون، فمن خرج سهمه يبرأ من الثمن، حتى يبقى آخرهم رجلاً، فيكون ثم الجزور كله عليه وحده، ولا حق له فى الجزور، ويقتسم الجزور بقيتهم بينهم، فذلك الميسر، قال سبحانه: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، فى ركوبهما؛ لأن فيهما ترك الصلاة، وترك ذكر الله عز وجل، وركوب المحارم، ثم قال سبحانه: { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }، يعنى بالمنافع اللذة والتجارة فى ركوبهما قبل التحريم، فلما حرمهما الله عز وجل، قال: { وَإِثْمُهُمَآ } بعد التحريم، { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }، قبل التحريم، وأنزل الله عز وجل تحريمهما بعد هذه الآية بسنة، والمنفعة فى الميسر أن بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر، يعنى المقامر، وإنما سمي الميسر؛ لأنهم قالوا: يسروا لنا ثمن الجزور، يقول الرجل: افعل كذا وكذا.
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [آية: 219]، { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ }، وذلك أن الله عز وجل أنزل فى أموال اليتامى:
{ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]، فلما نزلت هذه الآية، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى، فعزلوا بيت اليتيم وطعامه وخدامه على حدة مخافة العذر، فشق ذلك على المسلمين، وعلى اليتامى اعتزالهم، فقال ثابت بن رفاعة للنبى صلى الله عليه وسلم: قد سمعنا ما أنزل الله عز وجل فى اليتامى فعزلناهم، والذى لهم، وعزلنا الذى لنا، فشق ذلك علينا وعليهم، وليس كلنا يجد سعة فى عزل اليتيم وطعامه وخادمه، فهل يصلح لنا خلطتهم، فيكون البيت والطعام واحد والخدمة وركوب الدابة، ولا نرزأهم شيئاً، إلا أن نعود عليهم بأفضل منه، فأنزل الله عز وجل فى قول ثابت بن رفاعة الأنصارى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }، يقول: ما كان لليتيم فيه صلاح، فهو خير أن تفعلوه.
ثم قال سبحانه: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } فى المسكن والطعام والخدمة وركوب الدابة، { فَإِخْوَانُكُمْ }، فهم إخوانكم، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ } لمال اليتيم، { مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } لماله، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ }، يقول: لآثمكم فى دينكم، نظيرها فى براءة قوله سبحانه:
{ { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة: 128]، يقول ما أثمتم، فحرم عليكم خلطتهم فى الذى لهم، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، فلم تنتفعوا بشىء منه، { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } فى ملكه { حَكِيمٌ } [آية: 220]، يعنى ما حكم فى أموال اليتامى.