التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٥٩
-البقرة

مقاتل بن سليمان

{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا }، يعنى ساقطة على سقوفها، وذلك أن بخت نصر سبا أهل بابل، وفيهم عزير بن شرحيا، وكان من علماء بنى إسرائيل، وأنه ارتحل ذات يوم على حمار أقمر، فمر على قرية تدعى سابور على شاطئ دجلة بين واسط والمدائن، وكان هذا بعد ما رفع عيسى ابن مريم، فربط حماره فى ظل شجرة، ثم طاف فى القرية، فلم ير فيها ساكناً، وعامة شجرها حامل، فأصاب من الفاكهة والعنب والتين.
ثم رجع إلى حماره، فجلس يأكل من الفاكهة، وعصر من العنب، فشرب منه، فجعل فضل الفاكهة فى سلة، وفضل العصير فى الزق، فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها، { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ }، يعنى أهل هذه القرية، { بَعْدَ مَوْتِهَا } بعد هلاكها، لم يشك فى البعث، ولكنه أحب أن يريه الله عز وجل كيف يبعث الموتى كما سأل إبراهيم، عليه السلام، ربه عز وجل:
{ { أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [البقرة: 260].
فلما تكلم بذلك عزير، أراد الله عز وجل أن يعلمه كيف يحييها بعد موتها، { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ } عز وجل وأمات حماره { مِئَةَ عَامٍ }، فحيى والفاكهة والعصير موضوع عنده، { ثُمَّ بَعَثَهُ } الله عز وجل فى آخر النهار بعد مائة عام، لم يتغير طعامه وشرابه، فنودى فى السماء { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } يا عزير ميتاً، { قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً }، فالتفت فرأى الشمس، فقال: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ } له { بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ } ميِّتاً، ثم أخبره ليعتبر، فقال سبحانه: { فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ }، يعنى الفاكهة فى السلة، { وَشَرَابِكَ }، يعنى العصير، { لَمْ يَتَسَنَّهْ }، يقول لم يتغير طعمه بعد مائة عام، نظيرها فى سورة محمد صلى الله عليه وسلم:
{ { مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } [محمد: 15]، فقال: سبحان الله، كيف لم يتغير طعمه؟.
ونظر إلى حماره، وقد ابيضت عظامه، وبليت وتفرقت أوصاله، فنودى من السماء: أيتها العظام البالية اجتمعى، فإن الله عز وجل منزل عليك روحاً، فسعت العظام بعضها إلى بعض، الذراع إلى العضد، والعضد إلى المنكبين والكتف، وسعت الساق إلى الركبتين، والركبتان إلى الفخذين، والفخذان إلى الوركين، والتصق الوركان بالظهر، ثم وقع الرأس على الجسد، وعزير ينظر، ثم ألقى على العظام العروق والعصب، ثم رد عليه الشعر، ثم نفخ فى منخره الروح، فقام الحمار ينهق عند رأسه، فاعلم كيف يبعث أهل هذه القبور بعد هلاكهم وبعث حماره بعد مائة عام كما لم يتغير طعامه وشرابه، وبعث بعد طوال الدهر ليعتبر بذلك، فذلك قوله سبحانه: { فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ }، يعنى لم يتغير طعمه، كقوله فى سورة محمد صلى الله عليه وسلم:
{ { مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } }. { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ }، يعنى عبرة؛ لأنه بعثه شاباً بعد مائة سنة، { وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ }، يعنى عظام الحمار، { كَيْفَ نُنْشِزُهَا }، يعنى نحييها، نظيرها: { { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } [الأنبياء: 21]، يعنى يبعثون الموتى، { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ }، يعنى لعزير كيف يحيى الله الموتى، خر لله ساجداً، { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آية: 259]، يعنى من البعث وغيره، فرجع عزير إلى أهله، وقد هلكوا، وبيعت داره وبنيت فردت عليه، وانتسب عزير إلى أولاده، فعرفوه وعرفهم، وأعطى عزير العلم من بعد ما بعث بعد مائة عام.