التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ
١١
فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ
١٢
لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ
١٣
قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
١٤
فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ
١٥
-الأنبياء

مقاتل بن سليمان

فأنزل الله عز وجل فى قولهم { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ } يا معشر كفار مكة { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } يعنى مؤمنى أهل التوراة { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [آية: 7] إن الرسل كانوا من البشر فيسخبرونكم أن الله عز وجل ما بعث رسولاً إلا من البشر، ونزل فى قولهم: { ... أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } يأكل ويشرب ويترك الملائكة فلا يرسلهم.
فقال سبحانه: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً } يعنى الأنبياء، عليهم السلام، والجسد الذى ليس فيه روح، كقوله سبحانه:
{ .. عِجْلاً جَسَداً.. } [طه: 88]{ لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } ولا يشربون ولكن جعلناهم جسداً فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون الموت، وذلك قوله سبحانه: { وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } [آية: 8] فى الدنيا.
{ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ } يعنى الرسل الوعد، يعنى العذاب فى الدنيا إلى قومهم { فَأَنجَيْنَاهُمْ } يعنى الرسل من العذاب { وَمَن نَّشَآءُ } من المؤمنين { وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } [آية: 9] يقول: وعذبنا المشركين فى الدنيا، قال أبو محمد: قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً } إلا ليأكلوا الطعام.
{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ } يا أهل مكة { كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } يعنى شرفكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [آية: 10] مثل قوله تعالى:
{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] يعنى شرفاً لك ولقومك.
{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ } يعنى أهلكنا من قرية بالعذاب فى الدنيا قبل أهل مكة { كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا } يقول: وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية { قَوْماً آخَرِينَ } [آية: 11] يعنى قوماً كانوا بالمين فى قرية تسمى حضور، وذلك أنهم قتلوا نبياً من الأنبياء، عليهم السلام، فسلط الله، عز وجل، جند بخت نصر فقتلوهم، كما سلط بخت نصر والروم على اليهود ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء، عليهم السلام.
فذلك قوله عز وجل: { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } يقول: فلما رأوا عذابنا أهل حضور { إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } [آية: 12] يقول: إذاهم من القرية يهربون، قالت لهم الملائكة كهيئة الاستهزاء.
{ لاَ تَرْكُضُواْ } يقول: لا تهربوا { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } يعنى إلى ما خولتم فيه من الأموال { وَ } إلى { وَمَسَاكِنِكُمْ } يعنى قريتكم التى هربتم منها { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } [آية: 13] كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [آية: 14].
يقول الله عز وجل: { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } يقول: فما زال الويل قولهم { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } [آية: 15] يقول أطفأناهم بالسيف، فخمدوا مثل النار إذا طفئت فخمدت.