التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
-فصلت

مقاتل بن سليمان

فلما شهدت عليهم الجوارح، { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ }، قالت الألسن للجوارح: { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا }، يعني الجوارح، قالوا: أبعدكم الله، إنما كنا نجاحش عنكم، فلم شهدتم علينا بالشرك، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا، { قَالُوۤاْ }، قالت الجوارح للألسن: { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ } اليوم، { ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } من الدواب وغيرها، { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }، يعني هو أنطقكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [آية: 21]، يقول: إلى الله تردون في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم، في التقديم.
وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهما: هل يعلم الله ما تقول؟ فقال الثاني: إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه، فقال الثالث: إن كان الله يسمع إذا رفعنا، فإنه يسمع إذا خفضنا، فسمع قولهم عبدالله بن مسعود، فأخبر بقولهم النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله في قولهم: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ }، يعني تستيقنون، وقالوا: تستكتمون، { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ }، يعني حسبتم، { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [آية: 22]، يعني هؤلاء الثلاثة، قول بعضهم لبعض: هل يعلم الله ما نقول؟ لقول الأول والثاني والثالث، يقول: حسبتم { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ }.
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ }، يقول: يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق، وأن الله لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة، { أَرْدَاكُمْ }، يعني أهلككم سوء الظن، { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } [آية: 23] بظنكم السيىء، كقوله لموسى:
{ فَتَرْدَىٰ } [طه: 16]، يقول فتهلك، { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ }، يعني من أهل النار.
{ فَإِن يَصْبِرُواْ } على النار، { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }، يعني فالنار مأواهم، { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } في الآخرة، { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [آية: 24]، يقول: وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين، لا يقبل ذلك منهم.