التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٢
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣
-المائدة

مقاتل بن سليمان

قوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }، يعنى شاهداً على قومهم، من كل سبط رجلاً ليأخذ هذا الرجل على سبطه الميثاق، وشهداء على قومهم، وكانوا اثنى عشر سبطاً، على كل سبط منهم رجلاً، فأطاع الله عز وجل منهم خمسة، فكان منهم طالوت، ممن أطاع الله عز وجل، وعصى منهم سبعة، فنقبوا على أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، { وَقَالَ ٱللَّهُ } عز وجل للنقباء الاثنى عشر، { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمْ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي }، يعنى الذين بعثتهم إليكم، وفيهم عيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، فكفروا بعيسى ومحمد، صلى الله عليهما وسلم.
قال الله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاقكم على أن تعملوا بما فى التوراة، فكان الإيمان بالنبيين من عمل التوراة، ثم قال سبحانه: { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ }، يعنى وأعنتموهم حتى يبلغوا الرسالة، { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً }، يعنى طيبة بها أنفسكم، وهو التطوع، { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }، يقول: أغفر لكم خطاياكم الذى كان منكم فيما بينكم وبينى، { وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }، يعنى البساتين، { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [آية: 12]، يعنى فقد أخطأ قصد الطريق، طريق الهدى، فنقضوا العهد والميثاق.
فذلك قوله سبحانه: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ }، فبنقضهم ميثاقهم لعناهم بالمسخ، { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }، يعنى قست قلوبهم عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }، والكلم صفة محمد صلى الله عليه وسلم، { وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ }، وذلك أن الله عز وجل أخذ ميثاق بنى إسرائيل فى التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويصدقوا به، وهو مكتوب عندهم فى التوراة، فلما بعثه الله عز وجل كفروا به وحسدوه، وقالوا: إن هذا ليس من ولد إسحاق، وهو من ولد إسماعيل، فقال الله عز وجل: { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ }، وهو الغش للنبى صلى الله عليه وسلم، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ }، والقليل مؤمنيهم عبدالله بن سلام وأصحابه.
يقول الله عز وجل: { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ }، حتى يأتى الله بأمره فى أمر بنى قريظة والنضير، فكان أمر الله فيهم القتل والسبى والجلاء، يقول: فاعف عنهم حتى يأتى، يعنى يجىء ذلك الأمر، فبلغوه فسبوا وأجلوا، فصارت آية العفو والصفح منسوخة، نسختها آية السيف فى براءة، فلما جاء ذلك الأمر قتلهم الله تعالى وسباهم وأجلاهم، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 13].