التفاسير

< >
عرض

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
٨٢
وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨٣
وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ
٨٤
فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ
٨٦
-المائدة

مقاتل بن سليمان

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ }، كان اليهود يعاونون مشركى العرب على قتال النبى صلى الله عليه وسلم، ويأمرونهم بالمسير إلى النبى صلى الله عليه وسلم، { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ }، يعنى مشركى العرب أيضاً، كانوا شديدى العداوة للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضى الله عنهم، { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً }، وليس يعنى فى الحب، ولكن يعنى فى سرعة الإجابة للإيمان، { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ }، وكانوا فى قرية تسمى ناصرة، { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً }، يعنى متعبدين أصحاب الصوامع، { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [آية: 82]، يعنى لا يتكبرون عن الإيمان.
نزلت فى أربعين رجلاً من مؤمنى أهل الإنجيل، منهم اثنان وثلاثون رجلاً قدموا من أرض الحبشة مع جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، وثمانية نفر قدموا من الشام معهم بحيرى الراهب، وأبرهة، والأشرف، ودريس، وتمام، وقسيم، ودريد، وأيمن، والقسيسون الذين يحلقون أواسط رءوسهم، وذلك أنهم حين سمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما أشبه هذا بالذى كنا نتحدث به عن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فبكوا وصدقوا بالله عز وجل ورسله، فنزلت فيهم: { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ } من القرآن، { تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا }، يعنى صدقنا بالقرآن أنه من الله عز وجل، { فَٱكْتُبْنَا }، يعنى فاجعلنا { مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [آية: 83]، يعنى مع المهاجرين، يعنى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، نظيرها فى المجادلة:
{ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22]، يقول: جعل فى قلوبهم الإيمان، وهو التوحيد.
وقالوا: { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ }، وذلك أنهم لما أسلموا ورجعوا إلى أرضهم، لا مهم كفار قومهم، فقالوا: أتركتم ملة عيسى صلى الله عليه وسلم ودين آبائكم، قالوا: نعم، { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } { وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ } مع محمد صلى الله عليه وسلم، { وَنَطْمَعُ }، يعنى ونرجو { أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا } الجنة { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } [آية: 84]، وهم المهاجرين الأول، رضوان الله عليهم.
{ فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } من التصديق، { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } لا يموتون، { وَذٰلِكَ } الثواب { جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 85]. ثم قال سبحانه:{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ }، يعنى بالقرآن بأنه ليس من الله عز وجل، { أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [آية: 86]، يعنى ما عظم من النار، يعنى كفار ا لنصارى الذين لاموهم حين أسلموا وتابعوا النبى صلى الله عليه وسلم.