التفاسير

< >
عرض

كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
-الحشر

مقاتل بن سليمان

ثم ضرب مثلاً حين غروا اليهود فتبرؤا منهم عند الشدة وأسلموهم، فقال: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ } وذلك أنه كان راهباً في بني إسرائيل اسمه برصيصا، وكان في صومعته أربعين عاماً، يعبد الله، ولا يكلم أحداً، ولا يشرف على أحد، وكان لا يكل من ذكر الله عز وجل، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره الله تعالى.
فقال الشيطان لإبليس: قد غلبنى برصيصا، ولست أقدر عليه، فقال إبليس: اذهب، فانصب لهم ما نصبت لأبيه من قبل، وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل عظمية الشرف جميلة في أهل بيت صدق، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها، فدخل في جوفها فخنقها حتى ازبدت، فالتمس إخواتها لها الإطباء، وضربوا لها ظهراً وبطناً ويميناً وشمالاً، فأتاهم الشيطان في منامهم، فقال: عليكم ببرصيصا الراهب، فليدع لها، فإنه مستجاب الدعاء، فلما أصبحوا، قال بعضهم لبعض: انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب، فليدع لها، فإنا نرجوا البركة في دعائه، فانطلقوا بها إليه، فقالوا: يا برصيصا أشرف علينا، وكلمنا فإنا بنو فلان، وإنما جئنا لباب حسنة، وأجر، فأشرف فكلمهم وكلموه، فلما رد عليها وجد الشيطان خللا فدخل في جوفه، ووسوس إليه، فقال: يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر، تدعو الله لها فيشفيها، فأمرهم أن يدخلوها الخربة وينطلقوا هم، فأدخلوها الحربة ومضوا، وكان برصيصا لا يتهم في بني إسرائيل، فقال له الشيطان: يا برصيصا انزل فضع يدك على بطنها، وناصيتها، وادع لها، فمازال به حتى أنزله من صومعته، فلما نزل خرج منه، فدخل في جوف الجارية فاضطربت، وانكشفت، فلما رأى ذلك، ولم يكن له عهد بالنساء وقع بها.
قال الشيطان: يا برصيصا يا أعبد بني إسرائيل ما صنعت؟ الزنا بعد العبادة يا برصيصا؟ إن هذه تخبر أخواتها بما أتيت لها فتفتضح في بني إسرائيل فاعمد إليها، فاقتلها وادفنها في التراب، ثم اصعد إلى صومعتك، وتب إلى الله، وتعبد فإذا جاء أخوتها، فسألوا عنها، فأخبرهم أنك دعوت لها، وأن الجنى طار عنها، وأنهم طاروا بها، فمن هذا الذي يتهمك في بني إسرائيل، فقتلها ودفنها في الحربة، فلما جاء إخواتها، قالوا: أين أختنا؟ فقال: أختكم طارت بها الجن، فرجعوا وهم لا يتهمونه، فأتاهم الشيطان في المنام، فقال: إن برصيصا قد فضح أختكم، فلما أصبحوا جعل كل واحد منهم يكلم صاحبه بما رأى، فتكلم بما رأى.
فقال الآخر: لقد رأيت مثل ما رأيت، فقال الثالث: مثل ذلك، فلم يرفعوا بذلك رأسا حتى رأوا ثلاث ليل، فانطلقوا إلى برصيصا، فقالوا: أين أختنا؟ فقال: لا أدرى طارت بها الجن، فدخلوا الخربة، فإذا هم بالتراب ناتىء في الخربة فضربوه بأرجلهم فإذا هم بأختهم فأتوه، فقالوا: يا عدو الله، قتلت أختنا، فانطلوا إلى ذلك فأخبروه، فبعث إليه فاستنزله من صومعته، ونحتوا له خشبة، فأوثقوه عليها فأتاه الشيطان، فقال: أتعرفنى يا برصيصا، قال: لا، قال: أنا الذي أنزلتك هذه المنزلة، فإن فعلت ما آمرك به استنقذتك مما أنت فيه، وأطلعتك إلى صومعتك؟ فقال: وبماذا؟ قال: أتمثل لك في صورتي، فتسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما هنا؟ قال: نعم، فتمثل له الشيطان في صورته فسجد له سجدة وكفر بالله فانطلق الشيطان، وتركه، وقتل برصيصا، فذلك قوله: كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 16] { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } يعني الشيطان والإنسان { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } الشيطان والراهب { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 17] يقول: هكذا ثواب المنافقين واليهود والنار.