{ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، وذلك حين دُعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، فأنزل الله عز وجل: {ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} {لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ} [آية: 106]، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أعرض عنهم إذا أشركوا.
{وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ}، يقول: ولو شاء الله لمنعهم من الشرك، {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، يعني رقيباً إن لم يوحدوا، {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [آية: 107]، يعني بمسيطر، فنسختها آية السيف.
{وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ}، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يذكرون أوثان أهل مكة بسوء، فقالوا: لينتهين محمد عن شتم آلهتنا أو لنسبن ربه، فنهى الله المؤمنين عن شتم آلهتهم فيسبوا ربهم؛ لأنهم جهلة بالله، وأنزل الله: {وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ} يعني يعبدون من دون الله من الآلهة {فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعلمونه أنهم يسبون الله، يعني أهل مكة، {كَذَلِكَ}، يعني هكذا {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}، يعني ضلالتهم، {ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ} في الآخرة، {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [آية: 108].
فلما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا تسبوا ربكم" فأمسك المسلمون عند ذلك عن شتم آلهتهم، {وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، فمن حلف بالله فقد اجتهد في اليمين، وذلك أن كفار مكة حلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم، {لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ} كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم، {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا} ليؤمنن بالآية، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ}، إن شاء أرسلها وليست بيدي، {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} وما يدريكم {أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [آية: 109]، يعني لا يصدقون، لما سبق في علم الله من الشقاء.
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ}، يعني قلوبهم، {وَأَبْصَارَهُمْ} عن الإيمان، {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، يقول: كما لم يؤمن بها أوائلهم من الأمم الخالية بما سألوا من الآيات قبلها، فكذلك كفار أهل مكة لا يصدقون بها إن جاءتهم آية، ثم قال: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [آية: 110]، يعني في ضلالتهم يترددون، لا نخرجهم منها أبداً.