التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١٦٠
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٦١
فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٦٢
وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٦٤
فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

مقاتل بن سليمان

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي } الأموات، { وَيُمِيتُ } الأحياء، { فَآمِنُواْ }، يعني فصدقوا { بِٱللَّهِ } أنه واحد لا شريك له، { وَرَسُولِهِ }، عليه السلام، { ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ }، يعني الذي يصدق بالله بأنه واحد لا شريك له، وبآياته، يعني القرآن، { وَٱتَّبِعُوهُ }، يعني محمداً، عليه السلام، { لَعَلَّكُمْ }، يعني لكي { تَهْتَدُونَ } [آية: 158] من الضلالة.
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ }، يعني بني إسرائيل، { أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ }، يعني عصابة يدعون إلى الحق، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [آية: 159]، يعني الذين من وراء الصين اليوم، القوم الذين أسرى بهم تحت الأرض، وأخرج لهم نهراً من الأردن من رملٍ يسمى أردق من وراء الصين يجري كجري الماء، أسرى الله بهم تحت الأرض سنة ونصفاً، فإذا نزل عيسى ابن مريم كان معه يوشع بن نون، وهم من آمن من أهل الكتاب.
{ وَقَطَّعْنَاهُمُ }، يعني فرقناهم، { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً }، يعني فرقاً، { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } في التيه، { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ }، ففعل وكان من الطور، { فَٱنبَجَسَتْ }، يعني فانفجرت من الحجر، { مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } ماء بارداً فراتاً رواء بإذن الله، وكان الحجر خفيفاً، كل سبط من بني إسرائيل لهم عين تجرى لا يخالطهم غيرهم فيها، فذلك قوله: { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }، يعني كل سبط مشربهم، { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ } بالنهار، يعني سحابة بيضاء ليس فيها ماء تقيهم من حر الشمس وهم في التيه، { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ }، يعني النرنجين، { وَٱلسَّلْوَىٰ } طير أحمر يشبه السمان، { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ }، يعني من حلال، { مَا رَزَقْنَاكُمْ } من المن والسلوى، ولا تطغوا فيه، يعني لا ترفعوا منه لغد، فرفعوا وقددوا فدود عليهم، يقول الله: { وَمَا ظَلَمُونَا }، يعني وما ضرونا، يعني وما نقصونا حين رفعوا وقددوا ودود عليهم، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [آية: 160]، يعني يضرون وينقصون.
{ وَ } اذكر { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ }، بيت المقدس، { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ } أمرنا { حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ }، أي باب القرية، { سُجَّداً } سجود انحناء، { نَّغْفِرْ } بالنون والتاء مبنياً للمفعول، { لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 161] بالطاعة ثواباً.
{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ }، فقالوا: حبة في شعرة، ودخلوا يزحفون على استاهم، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً } عذاباً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [آية: 162].
{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ }، اسمها أيلة، على مسيرة يومين من البحر بين المدينة والشام، مسخوا على عهد داود، عليه السلام، قردة، يعني اليهود، وإنما أمر الله النبى صلى الله عليه وسلم أن يسألهم: أمسخ الله منكم قردة وخنازير؟ لأنهم قالوا: إنا أبناء الله وأحباؤه، وإن الله لا يعذبنا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنا من سبط خليله إبراهيم، ومن سبط إسرائيل، وهو بكر نبيه، ومن سبط كليم الله موسى، ومن سبط ولده عزير، فنحن من أولادهم، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ } { ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ }، إما عذبهم الله بذنوبهم.
ثم أخبر عن ذنوبهم، فقال: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ }، يعني يعتدون، { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ }، يعني السمك، { يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً }، يعني شارعة من غمرة الماء إلى قريب من الحذاء، يعني الشط أمنت أن يصدن، { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ }، يعني حين لا يكون يوم السبت، { لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ }، يعني هكذا، { نَبْلُوهُم }، يعني نبتليهم بتحريم السمك في السبت، { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [آية: 163]، جزاء منا، يعني بما كانوا يعصون.
{ وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ }، يعني عصابة منهم، وهى الظلمة للواعظة، { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }، وذلك أن الواعظة نهوهم عن الحيتان، وخوفوهم فلم ينتبهوا، فردت عليهم الواعظة، { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ }، يعني ولكى ينتهوا فيؤخروا أو يعذبوا فينجوا، { وَلَعَلَّهُمْ }، يعني ولكى { يَتَّقُونَ } [آية: 164] المعاصي.
{ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ }، يعني فلما تركوا ما وعظوا به من أمر الحيتان، { أَنجَيْنَا } من العذاب { ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ }، يعني المعاصي، { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }، يعني وأصبنا الذين ظلموا، { بِعَذَابٍ }، يعني المسخ، { بَئِيسٍ }، يعني شديد، { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [آية: 165]، يعني يعصون.
{ فَلَماَّ عَتَوْاْ }، يعني عصوا، { عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } من الحيتان، { قُلْنَا لَهُمْ } ليلاً: { كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [آية: 166]، يعني صاغرين بعدما أصابوا الحيتان سنين، ثم مسخوا قردة، فعاشوا سبعة أيام، ثم ماتوا يوم الثامن.