التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
٧
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ
٨
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٩
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٠
ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ
١١
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ
١٥
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ
١٦
ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
١٧
-المطففين

مقاتل بن سليمان

{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 6] فهو مقدار ثلاث مائة عام إذا أخرجوا من قبورهم، فهم يجولون بعضهم إلى بعض قياماً ينظرون، ثم خوفهم أيضاً، فقال: { كَلاَّ } وهى وعيد مثل ما يقول الإنسان: والله يحلف بربه والله تعالى لا يقول: والله ولكنه يقول: كلا { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [آية: 7] يعني أعمال المشركين مكتوبة مختومة بالشر، موضوعة تحت الأرض السفلى، تحت خذ إبليس، لأنه أطاعه، وعصى ربه، فذلك قوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } [آية: 8] تعظيماً لها.
قال: { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [آية: 9] ووعدهم أيضاً، فقال: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [آية: 10] بالبعث { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [آية: 11] يعني بيوم الحساب الذى فيه جزاء الأعمال، فقال: { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ } بالحساب { إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [آية: 12] يقول: معتد بربه حيث شك في نعمته، وتعبد غيره، فهو المعتد، أثيم قلبه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } يعني القرآن { قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [آية: 13] يعني به كتاب الأولين، مثل كتاب رستم، وأسفندباز، نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث بن علقمة، قدم الحيرة، فكتب حديث رستم وأسفندباز، فلما قدم، قال: ما يحدثكم محمد؟ قالوا: حدثنا عن القرون الأولى، قال: وأنا أحدثكم بمثل ما يحدثكم به محمد أيضاً، فأنزل الله عز وجل، وفيه
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } [لقمان: 6]، فذلك قوله: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }.
ثم وعدهم، فقال: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [آية: 14] يقول: طبعنا على قلوبهم، فهم لا يبصرون إلى مساوئهم، فيقلعون عنها، ثم أوعدهم، فقال: { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [آية: 15] لأن أهل الجنة يرونه عياناً لا يحجبهم عنه، ويكلمهم، وأما الكافر، فإنه يقام خلف الحجاب فلا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم حتى يأمر بهم إلى النار { ثُمَّ إِنَّهُمْ } يعني إذا حجبوا عن ربهم { لَصَالُو ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ } لهم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [آية: 17] وذلك أن أهل النار يقول لهم مالك خازن النار هذه:
{ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [سبأ: 42]، { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 15، 16] فذلك قوله: { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }.