التفاسير

< >
عرض

ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
٦
-الفاتحة

الكشف والبيان

{ ٱهْدِنَا }، قال علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) وأبيّ بن كعب: أرشدتنا فهذا كما يقال للرجل الذي يأكل: كل، والذي يقرأ: إقرأ، وللقائم: قم لي حتّى أعود لك أي دُم على ما أنت عليه. وقال السدّي ومقاتل: أرشدنا، يقال: هديته للدّين وهديته الى الدين هدىً وهدايةً، قال الحسن بن الفضل: الهدى في القرآن على وجهين:
الوجه الأول: هدى دعاء وبيان كقوله:
{ { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52]، وقوله: { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] و { { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } [فصّلت: 17].
الوجه الثاني: هدى توفيق وتسديد كقوله:
{ { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [النحل: 93]، وقوله: { { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56].
و{ ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } الطريق الواضح المستوي، قال عامر بن الطفيل:

خشونا أرضهم بالخيل حتّىتركناهم أذل من الصراط

وقال جرير:

أمير المؤمنين على صراطإذا اعوجّ الموارد مستقيم

الإختلاف في قراءة الصراط
وفى الصراط خمس قراءات: بالسين وهو الأصل، سمّي الطريق سِراطاً لأنّه يسترط المارّة. أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن حمدويه، حدّثنا محمود بن آدم، حدّثنا سفيان عن عمر عن ثابت قال: سمعت ابن عباس قرأ السِراط بالسين، وبه قرأ ابن كثير [من] طريق.... ويعقوب [من] طريق.....
وبإشمام السين وهي رواية أبي حمدون عن الكسائي، وبالزاي وهي رواية أبي حمدون عن سليم عن حمزة.
وبإشمام الزاي وهي قراءة حمزة في أكثر الروايات والكسائي في رواية نهشل والشيرازي.
وبالصاد قراءة الباقين من القرّاء.
وكلّها لغات فصيحة صحيحة إلاّ إن الاختيار الصاد؛ لموافقة المصحف لأنها كتبت في جميع المصاحف بالصاد. ولأن آخرتها بالطاء لأنهما موافقتان في الاطباق والاستعلاء.
واختلف المفسّرون في { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد، وأبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري قالا: أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان، حدّثنا الحسين بن علي عن حمزة الزيّات عن أبي المختار الطائي عن [ابن] أبي أخ الحرث الأعسر عن الحرث عن علي قال:
"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقول]: الصراط المستقيم كتاب الله عزّ وجلّ" .
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا حامد بن محمد، حدّثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدّثنا زكريا بن عديّ عن مقتضي عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: الصراط المستقيم كتاب الله عزّ وجلّ.
وأخبرنا عبد الله، أخبرنا عبد الرَّحْمن بن محمد، حدّثنا ليث، حدّثنا عقبة بن سليمان، حدّثنا الحسين بن صالح عن أبي عقيل عن جابر قال: الصراط المستقيم الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء والأرض [وإنما كان] الصراط المستقيم الإسلام لأن كل دين وطريق [غير] الإسلام فليس بمستقيم.
وروى عاصم الأحول عن أبي العالية الرياحي: هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه.
قال عاصم: فذكرت ذلك للحسن فقال: صدق أبو العالية ونصح.
وقال بكر بن عبد الله المزني:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن الصراط المستقيم، فقال: سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" .
وقال سعيد بن جبير: يعني طريق [الحق].
وقال السدّي: أرشدنا إلى دين يدخل صاحبه به الجنة ولا يعذب في النار أبداً، ويكون خروجه من قبره إلى الجنة.
وقال محمد بن الحنفية: هو دين [الله] الذي لا يقبل من عباده غيره.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله العايني، حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ببغداد، حدّثنا أبو القاسم [....] ابن نهار، حدّثنا أبو حفص المستملي، حدّثنا أبي، حدّثنا حامد بن سهل، حدّثنا عبد الله بن محمد العجلي، حدّثنا إبراهيم بن جابر عن مسلم بن حيان عن أبي بريدة في قول الله تعالى: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قال: صراط محمد صلى الله عليه وسلم وآله (عليهم السلام).
وقال عبد العزيز بن يحيى: يعني طريق السواد الأعظم. [وقال] أبو بكر الورّاق: يعني صراطاً لا تزيغ به الأهواء يميناً وشمالا. وقال محمد بن علي النهدي: يعني طريق الخوف والرجاء. وقال أبو عثمان الداراني: [يعني] طريق العبودية.
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول: سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله بهرات يقول: سمعت أبا الحسن عمر بن واصل العنبري يقول: سمعت [سهل] بن عبد الله التستري يقول: طريق السنّة والجماعة لأن البدعة لا تكون مستقيمة.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي: أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن عاصم عن زر عن أبي وائل عن عبد الله قال:
"خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّين، خطّاً عن يمينه وخطّاً عن شماله ثم قال: هذه السُبُل، وعلى كلّ سبيل منهما شيطان يدعو إليه، وهذا سبيل الله، ثم قرأ { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }" .
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدّثنا معمّر بن سفيان الصغير، حدّثنا يعقوب بن سفيان الكبير، حدّثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدّثنا معاوية بن صالح أن عبد الرَّحْمن بن جبير بن نصر حدّثه عن أبيه جبير عن نواس بن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ضرب الله مثلا (صراطاً مستقيماً) وعلى جانبي الصراط ستور مرخاة فيها أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويلك لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه بالصراط: الإسلام. والستور حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على الصراط كتاب الله عزّ وجلّ، والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم" .