التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ
١١٦
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
١١٧
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
١١٨
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١١٩
وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
١٢٠
وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
١٢١
وَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
١٢٢
وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٢٣
-هود

الكشف والبيان

{ فَلَوْلاَ كَانَ } فهلاّ كان { مِنَ ٱلْقُرُونِ } التي أهلكناهم { مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } أصحاب دين وعقل { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } ومعناه: فلم يكن، لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناء منقطع { مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } وهم أتباع الأنبياء وأهل الحق.
{ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } قال ابن عباس: ما أُنظروا فيه، وروي عنه: أُبطروا. الضحّاك: اعتلّوا، مقاتل بن سليمان: أُعطوا، ابن حيان: خوّلوا، مجاهد: تجبّروا في الملك وعتوا عن أمر الله، الفرّاء: ما سوّدوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } كافرين { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } [بظلم منه لهم] { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } في أعمالهم غير مسيئين، لكنه يهلكها بكفرهم وإتيانهم السيئات، وقيل: معناه لم يكن ليهلكهم بشركهم وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ويتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين، وإنّما يهلكهم إذا ظلموا.
{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ } كلّهم { أُمَّةً } جماعة { وَاحِدَةً } على ملّة واحدة { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } على أديان شتى من يهودي ونصراني ومجوسي ونحو ذلك { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } ويعني بهم المؤمنون وأهل الحق.
{ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن ومقاتل بن حيان ويمان وعطاء: وللاختلاف خلقهم، قال الأشهب: سألت مالكاً عن هذه الآية فقال: لقهم ليكون فريق في الجنة، وفريق في السعير، وقيل: اللام بمعنى على، أي وعلى ذلك خلقهم، كقول الرجل للرجل: أكرمتك على برّك بي ولبرّك بي، ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة: وللرحمة خلقهم ولم يقل: ولتلك، والرحمة مؤنّثة لأنها مصدر وقد مضت هذه المسألة،وهذا باب سائغ في اللغة [وهو أن يُذكر] لفظان متضادان ثم يشار إليهما بلفظ التوحيد فمن ذلك قوله تعالى
{ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } [البقرة: 68] ثم قال: { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة: 68]، وقوله { { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110] وقوله: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58] فكذلك معنى الآية، ولذلك أي وللاختلاف والرحمة خلقهم أحسن خلق، هؤلاء لجنّته، وهؤلاء لناره.
{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } قال ابن عباس: نسدد، الضحاك: نقوّي، ابن جريج: نصبّر حتى لا تجزع، أهل المعاني: ما نثبّت به قلبك.
{ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ } قال الحسن وقتادة: في هذه الدنيا، وقال غيرهما: في هذه السورة،{ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَٱنْتَظِرُوۤاْ } ما يحلّ بنا من رحمة الله { إِنَّا مُنتَظِرُونَ } ما يحل بكم من النقمة.
{ وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: خزائن الله، الضحّاك: جميع ما غاب عن العباد، وقال الباقون: غيب نزول العذاب من السماء { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } في المعاد حتى لا يكون للخلق أمر، وقرأ نافع وحفص بضم الياء أي يُرجع { فَٱعْبُدْهُ } وحده { وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } توثّق به { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } قال كعب: خاتمة التوراة خاتمة هود والله أعلم. يعملون قراءة العامة بالياء، وقرأ أهل المدينة والشام وحفص بالتاء.