{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ } يعني الملائكة، واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس: كانوا ثلاثة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل. الضحّاك: تسعة،السدّي: أحد عشر، وكانوا على صورة الغلمان الوِضاء وجوههم.
{ إِبْرَاهِيمَ } الخليل { بِٱلْبُـشْرَىٰ } بالبشارة بإسحاق ويعقوب، وبإهلاك قوم لوط { قَالُواْ } لإبراهيم { سَلاَماً } سلّموا عليه ونصب { سَلاَماً } بإيقاع القول عليه، لأن السلام قول أي [مِثل] قالوا وسلّموا سلاماً (قال) إبراهيم (سلام) أي عليكم سلام، وقيل: لكم سلام وقيل: رُفِع على الحكاية، (قيل: الحمد لله) (وقولوا حطّة)، وقرأ حمزة والكسائي سِلام بكسر السين من غير ألف ومثله في والذاريات، وكذلك هو في مصحف عبد الله ومعناه: نحن سِلام صالح لكم غير حرب، وقيل: هو بمعنى السِلم أيضاً كما يقال: حِل وحلال، وحِرم وحرام. وأنشد الفراء:
مررنا فقلنا إيه سلّم فسلمتكما اكتل بالبرق الغمام اللوائح
{ فَمَا لَبِثَ } فما أقام ومكث إبراهيم { أَن } بمعنى حتى بإسقاط الخافض أي بأن { جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } قال ابن عباس: مشوي بالحجارة الحارة في خد من الأرض، قتادة ومجاهد: نضج بالحجارة وشوي، ابن عطية: شوي بعضه بحجارة، أبو عبيدة: كل ما أسخنته فقد حنذته فهو حنيذ ومحنوذ وأصل يحنذ أن إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق.
{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ } أي للعجل { نَكِرَهُمْ } أي: أنكرهم، ويقال: نكرت الشيء وأنكرته بمعنى واحد. قال الأعشى: وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلاّ الشيب والصلعا فجمع المعنيين في وقت واحد.
{ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أضمر وأحسّ منهم خوفاً، وقال مقاتل: وقع في قلبه، الأخفش: خامر نفسه. الفرّاء: استشعر. الحسن: حدّث نفسه، وأصل الوجوس الدخول، وكان الخوف دخل قلبه. قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا أتاهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يجئ لخير وأنّه يحدّث نفسه بشرّ.
{ قَالُواْ لاَ تَخَفْ } يا إبراهيم فإنّا ملائكة الله { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } قال الوالبي: لمّا عرف إبراهيم أنهم ملائكة خاف أنه وقومه المقصودون بالعذاب؛ لأن الملائكة كانت تنزل إذ ذاك بالعذاب، نظير ما في الحجر { { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [الحجر: 8] أي بالعذاب، قالت الملائكة: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط لا إلى قومك.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } سارة بنت هاران بن ناحور بن شاروع بن أرغوا بن فالغ وهي ابنة عم إبراهيم { قَآئِمَةٌ } من وراء الستر تسمع كلام الملائكة وكلام إبراهيم، وقيل: كانت قائمة [......] الرسل وإبراهيم جالس معهم فهو كلام أوّلي، وقرأ ابن مسعود: وامرأته قائمة وهو جالس { فَضَحِكَتْ }.
واختلفوا في العلة الجالبة للضحك، فقال السدي: لما قرب إليهم الطعام فلم يأكلوا خاف إبراهيم فظنهم لصوصاً، فقال لهم: ألا تأكلون؟ فقالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلاّ بثمن، قال: فإن لهذا ثمناً، قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوّله وتحمدون على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال: حق أن يتخذك خليلا، فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه نكرهم، فضحكت سارة وقالت: إنا قمنا لأضيافنا هؤلاء أنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم، وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال قتادة: فضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، وقال مقاتل والكلبي: فضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة نفر وهو فيما بين خدمه وحشمه، وقال ابن عباس ووهب: ضحكت عجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنّها وسنّ زوجها، وقالوا: هو من التقديم الذي معناه التأخير، وكان بمعنى: [......] وامرأته قائمة.
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } فضحكت وقالت { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } الآية، وقيل: ضحكت سروراً بالأمن عليهم لما قالوا: لا تخف وقال مجاهد وعكرمة: فضحكت أي حاضت في الوقت، تقول العرب:
ضحكت الأرنب إذا حاضت، وقال الشاعر:
وضحكت الأرانب فوق الصفاكمثل دم الخوف يوم اللقا
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } قال ابن عباس والشعبي: الوراء ولد الولد، واختلف القّراء في قوله: يعقوب، فنصبه ابن عامر وعاصم وقيل: في موضع جر في الصفة أي من وراء إسحاق بيعقوب، فلمّا حذف الباء نصب، وقيل: بإضمار فعل له، ووهبنا له يعقوب. ورفعه الآخرون على خبر حذف الصفة، فلمّا بُشّرت بالولد والحفيد { { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } [الذاريات: 29] أي ضر الله تعجباً { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ } والأصل: يا ويلتاه { أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } وكانت لتسعين سنة في قول ابن إسحاق، وتسع وتسعين سنة في قول مجاهد.
{ وَهَـٰذَا بَعْلِي } زوجي سمي بذلك لأنه قيّم أمرها كما سمّي مالك الشيء بعله، والنخل الذي استغنى بالأمطار عن ماء الأنهار يسمّى بعلا { شَيْخاً } وكان إبراهيم ابن مائة سنة في قول مجاهد، وعشرين ومائة سنة في قول ابن إسحاق.
{ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } فقالت الملائكة { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } يعني هنا إبراهيم { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } قال السدّي: قالت سارة لإبراهيم (عليه السلام): ما آية قولك؟ قال: فأخذ بيده عوداً يابساً فلواه بين أصابعه، فاهتزّ أخضر فقال إبراهيم: هو لله إذاً ذبيحاً.