التفاسير

< >
عرض

وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ
٤
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
٥
-المسد

الكشف والبيان

{ وامرأته } أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقال: الحديث والكذب قال: ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، يقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورشى وأغزى، قال: شاعرهم:

من البيض لم يصطد على ظهر لامةولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

يعني لم يمش بالنمائم، وقال آخر:

فلسنا كمن يرجى المقالة شطرهيفرق العصاه الرطب والغيل اليبس

وروى معمر عن قتادة قال: كانت تعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيّرت بذلك، وهذا قول غير قوي، لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد وحمل الحطب ليس بعيب، وقال: الضحاك وابن زيد: كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قال الربيع بن أنس: كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطأه كما يطأ الحرير والفرند.
مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بأبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. دليله قوله سبحانه:
{ { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [الأنعام: 31]، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنياً عليه.
وقراءة العامة بالرفع فيهما وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم ولها وجهان: أحدهما: سيصلى ناراً هو وامرأته حمالة الحطب، والثاني: وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً.
وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: أخبرنا علي ابن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج بن هارون قال: في قراءة عبد الله وامرأته حمالة للحطب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم { حَمَّالَةَ } بالنصب ولها وجهان: أحدهما الحال والقطع لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب فلما القيت الألف واللام نصب الكلام، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه:
{ { مَّلْعُونِينَ } [الأحزاب: 61].
وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال: كان عامة العرب يقرؤون حمالة الحطب وقرأ أبو قلابة وامرأته حمالة الحطب على فاعله، والحطب جمع واحدتها حطبة.
وقال: بعض أهل اللغة: الحطب ها هنا جمع الحاطب وهو الجانب المذنب يعني أنَّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته، ونظيره من الكلام راصد و رصد و حارس وحرس وطالب وطلب وغائب وغيب، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة، قال: أكثم بن صيفي لبنيه: أياكم والنميمة فأنَّها نار محرقة وأن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر، فاخذه الشاعر فقال:

أن النميمة نار ويك محرقةفعد عنها وحارب من تعاطاها

ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبوا.
والعلة الثانية: أن الحطب يصير ناراً والنار سبب التفريق فكذلك النميمة، وأنشدني وأبو القاسم [الحبيبي] قال: أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال:

إنّ بني الأدرم حمالوا الحطبهم الوشاة في الرضا وفي الغضب

عليهم اللعنة تترى والحَرَبَ.
{ فِي جِيدِهَا } عنقها، قال ذو الرمة:

فعينك عينها ولونك لونهاوجيدك الا أنها غير عاطل

وجمعها أجياد، قال: الأعمش:

وبيداء تحسب آرامهارجال إياد بأجيادها

{ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أختلفوا فيه فقال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً يدخل من فيها فيخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها، وقال السدي: خلق الحديد وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر، وروى الأعمش عن مجاهد: من حديد، منصور عنه: المسد: الحديدة التي تكون في البكرة، ويقال له المحور، وإليه ذهب عطاء وعكرمة، الشعبي ومقاتل: من ليف، ضحاك وغيره: في الدنيا من ليف وهو الحبل الذي كانت تحطب به فخنقها الله تعالى به فأهلكها، وفي الآخرة من نار، قتادة: قلادة من ردع، الحسن: إنما كانت خرزات في عنقها، سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقها في عداوة محمد، ابن زيد: حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها: المسد وكانت تفتل، المروج من شهر الحرم والسلم والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفاً كان أو غيره، وأصله من المسد وهو الفتل، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال: الشاعر:

مسد أمر من أيانقليس بأنياب ولا حقائق

وجمعها أمساد قال: الأعشى:

تمسي فيصرف بابها من دونناغلقاً صريف محالة الأمساد

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد ابن ملجان البصري يقول: سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول: سمعت الأصمعي يقول: صلّى أربعة من الشعراء خلف أمام اسمه يحيى فقرأ { { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] فيتعتع فيها فقال أحدهم:

أكثر يحيى غلطاًفي { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }

فقال الثاني:

قام طويلا ساكتاًحتى إذا أعيا سجد

فقال الثالث:

يزجر في محرابهزجير حبلى لولد

فقال الرابع:

كأنّما لسانهشدّ بحبل من مسد

وفي هذه السورة دلالة واضحة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله سبحانه أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته الى النار وكانا من أحرص الناس على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحملهما ذلك على اظهار الإيمان حتى يكذبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل داما على كفرهما حتى علم أن وعيد الله سبحانه إياهما وإخباره عن مصيرهما إلى النار حق وصدق.