التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤١
وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ
٤٢
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ
٤٣
-الرعد

الكشف والبيان

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني أهل مكة الذين يسألون محمداً الإيمان { أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ } نقصدها { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } يفتحها لمحمّد صلى الله عليه وسلم أرضاً بعد أرض حوالي أرضهم فلا يخافون أن نفتح أرضهم كما فتحنا له غيرها، وبنحو ذلك قال أهل التأويل. روى صالح بن عمرو عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: ظهور المسلمين على المشركين.
وروى وكيع عن سلمة بن سبط عن الضحاك قال: ما تغلب عليه محمد صلى الله عليه وسلم من أرض العدو.
جبير عن الضحاك قال: أو لم ير أهل مكة إنا نفتح لمحمد ما حوله من القرى.
وروى إسحاق بن إبراهيم السلمي عن مقاتل بن سليمان قال: الأرض مكة وننقصها من أطرافها غلبة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عليها وانتقاصهم وازدياد المسلمين. فكيف لا يعتبرون وقال قوم: معناه أو لم يروا إلى الأرض ننقصها أفلا تخافون إن جعل بهم بأرضهم مثل ذلك فيهلكهم ويخرب أرضهم.
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: خراب الأرض وقبض أهلها.
يزيد الخوي عن عكرمة قال: يعني قبض الناس.
وقال: لو نقصت الأرض لصارت مثل هذه وعقد بيده سويتين.
عثمان بن السنّاج عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قال: موت أهل الأرض.
طلحة بن أبي طلحة القناد عن الشعبي: قبض الأنفس والثمرات.
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نقصان أهلها وتركها.
عثمان بن عطاء عن أبيه: قال ذهاب علمائها وفقهائها.
قال الثعلبي: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه السرخسي قال: حدثنا أبو لبيد بن محمد بن إدريس البسطامي حدثنا سعد بن سعيد حدثنا أبي حدثنا أبو حفص عن محمد بن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خذوا العلم قبل أن يذهب" .
قلنا: وكيف يذهب العلم والقرآن بين أظهرنا قد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نقرأه ونقرئه أولادنا فأنصت ثم قال هل ظلت اليهود والنصارى الا والتوراة بين أظهرهم ذهاب العلم ذهاب العلماء.
وحدثنا الأُستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب لفظاً في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة في آخرين.
قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو ضمرة وأنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" .
وحدثنا أبو القاسم أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد حدثنا العباس بن حمزة حدثنا [.........] السدي حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجنيد عن أبي الدرداء أنه قال: يا أهل حمص مالي أرى أنّ علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون، فأراكم قد أقبلتم على ما يكفل لكم، وضيعتم ما وكلتم به اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء.
وأخبرنا أبو القاسم حدثنا عبد الله بن المأمون بهرات حدثنا أبي حدثنا خطام بن الكاد بن الجراح عن أبيه عن جويبر عن الضحاك قال: قال علي (رضي الله عنه): إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كفٌ لم تعد.
حدثنا أبو القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد الرازي الزعفراني حدثنا عمر بن مدرك البلخي، أبو حفص حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هشام بن حيان عن الحسين قال: قال عبد الله بن مسعود: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار.
ومنه عن الرازي حدثنا عمرو بن تميم الطبري. أخبرنا محمد بن الصلت. حدثنا عباد بن العوام عن هلال عن حيان قال: قلت لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك علمائهم، ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء عليهم السلام.
{ وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب الذي يكرّ على الشيء ويتبعه.
قال لبيد:

حتى تهجر في الرواح وهاجهطلب المعقب حقه المظلوم

{ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني من قبل مشركي مكة { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } يعني له أسباب المكر وبيده الخير والشر وإليه النفع والضر فلا يضر مكر أحد أحداً إلاّ من أراد الله ضره، وقيل: معناه له جزاء إليكم.
{ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ } سيعلم: قرأ ابن كثير وأبو عمر: الكافر على الواحد، والباقون على الجمع.
{ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } عاقبة الدار الآخرة ممن يدخلون النار ويدخل المؤمنون الجنة { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } إني رسوله إليكم، { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِِ } أيضاً يشهدون على ذلك. هم مؤمنو أهل الكتاب.
وقرأ الحسين وسعيد بن جبير: { وَمَنْ عِندَهُ } بكسر الميم والدال. علم الكتاب مبني على الفعل المجهول.
وروى أبو عوانة عن أبي الخير قال: قلت لسعيد بن جبير { وَمِنْ عِندِهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِِ } أهو عبد الله بن سلام؟ قال: كيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية.
وكان سعيد يقرأها { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِِ }، ودليل هذه القراءة قوله
{ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف: 65] وقوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 1-2].
وأخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن بابويه أخبرنا أبو رجاء محمد بن حامد بن محمد المقرئ بمكة حدثنا محمد بن حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها ومن عنده علم الكتاب.
وبه عن السمري حدثنا أبو توبه عن الكسائي عن سليمان عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال: وذكر الله أشدّ فذكر إنه حيث جاء إلى الدار ليسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِِ } بكسر الميم وسمعه في الركعة الثانية يقرأ
{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ } [العنكبوت: 49] الآية.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الفاسي حدثنا القاضي الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السميعي بحلب حدثني الحسين بن إبراهيم بن الحسين الجصاص. أخبرنا الحسين بن الحكم حدثنا سعيد بن عثمان عن أبي مريم وحدثني بن عبد الله ابن عطاء قال: كنت جالساً مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالساً في ناحية فقلت لأبي جعفر: زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. فقال: إنما ذلك علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وفيه عن السبيعي: حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور بن الجنيد الرازي عن محمد بن الحسين بن الكتاب.
أحمد بن مفضل حدثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سلمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنفية { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِِ } قال: هو علي بن أبي طالب.