{ أَلَمْ يَرَوْاْ } . قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ويعقوب بالتاء.
وقرأ عاصم بضمر التاء. واختاره أبو عبيد لما قبلها.
{ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ } مذللات { فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ } أي في الهواء بين الأرض والسماء { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الهواء { إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ } التي هي من الحجر والمدر { سَكَناً } مسكناً تسكنونه.
قال الفراء: السكن: الدار، والسكن بجزم الكاف: أهل البلد.
{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } يعني الخيام والقباب والأخبية [والفساطيط من الأنطاع] والأدم وغيرها { تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } رحلكم وسفركم { وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } في بلادكم [لا يثقل] عليكم في الحالتين.
واختلف القرّاء في قوله: { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ }.
فقرأ الكوفيون بجزم العين، وقرأ الباقون: بفتحه. وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنه [أشهر] اللغتين وأفصحهما. { وَمِنْ أَصْوَافِهَا } يعني أصواف الضان وأوبار الإبل وأشعار المعز. والكنايات كلها راجعة إلى الأنعام.
{ أَثَاثاً } قال ابن عبّاس: مالا، مجاهد: [متاعاً].
حميد بن عبد الرحمن: [أثاثاً يعني] الأثاث: المال أجمع من الإبل والغنم والعبيد، والمتاع غيره هو متاع البيت من الفرش والأكسية وغيرها ولم يسمع له واحد مثل المتاع.
وقال أبو زيد: واحد الأثاث أثاثة. قال الخليل: أصله من الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض حتّى يكثر ومنه شعر الشعراء كثر وأثّ شعر فلان أي إذا كثر والتف.
قال أمرؤ القيس:
أثيث كقنو النخلة المتعال
قال محمّد بن نمير الثقفي في الأثاث:
أهاجتك الظعائن يوم بأتوابذي الزي الجميل من الأثاث
{ وَمَتَاعاً } [بلاغاً] تنتفعون بها { إِلَىٰ حِينٍ } يعني الموت. وقيل: إلى حين يبلى ويفنى.
{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } تستظلون بها من شدة الحر وهو ظلال الأشجار والسقوف والأبنية { مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } يعني الغيران والأسراب والمواضع التي تسكنون فيها واحدها كنّ { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } قمصاً من الكتان والقطن والخز والصوف { تَقِيكُمُ } تمنعكم.
{ ٱلْحَرَّ }.
[وقال] أهل المعاني: [أراد] الحر والبرد فأكتفى بأحدهما عن الآخر بدلالة الكلام عليه نظيره قوله: { { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل: 12] يعني الهدي والإضلال.
{ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } يعني الدروع ولباس الحرب والمعنى: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } يخضعون له بالطاعة ويخلصون له بالعبادة.
وروى نوفل بن أبي [عقرب] عن ابن عبّاس أنه قرأ: (يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) بالفتح، يعني من الجراحات.
قال أبو عبيد: الاختيار قراءة العامّة، لأن ما أنعم الله علينا في الإسلام أكثر من إنعامه علينا في السلامة من الجراح.
وقال عطاء الخراساني في هذه الآية: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } وما جعل لكم من السهول أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب جبال. وقال: { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ } وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر. الا ترى إلى قوله: { { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ } [النور: 43] وما ينزل من [الثلج] أعظم وأكثر ولكنهم كانوا لا يعرفونه، ألا ترى إلى قوله: { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } وما يقي من البرد أعظم وأكثر ولكنهم ظلوا أصحاب حر.
{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ }.
قال السدي: يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
{ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } يكذبون ويجحدون نبوّته.
قال مجاهد: يعني ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم ينكرون ذلك فيزعمون أنهم ورثوا ذلك عن آبائهم، وبمثله قال قتادة.
وقال الكلبي: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذه النعم لهم فقالوا: نعم هذه كلها من الله تعالى ولكنها بشفاعة آلهتنا. وقال عون بن عبد الله: هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا، لولا فلان ما أصبت كذا.
{ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } الجاحدون.