{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ } تسلفوا.
{ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ } طاعة وعمل صالح.
{ تَجِدُوهُ } تجدوا ثوابه ونفعه. { عِندَ ٱللَّهِ } وقيل: بالخبر الحال كقوله عزّ وجلّ { إِن تَرَكَ خَيْراً } [البقرة: 180] ومعناه وما تقدّموا لأنفسكم من زكاة وصدقة تجدوه عند الله أي وتجدوا الثمرة واللقمّة مثل أحُد { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } ورد في الحديث: إذا مات العبد قال الله: ما خلّف؟
وقال الملائكة: ما قدّم؟
وعن أنس بن مالك قال: لمّا ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي بن أبي طالب عليه السلام الدّار فأنشأ يقول:
لكلّ اجتماع من خليلين فرقةوكلّ الّذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادي واحداً بعد واحددليلٌ على أن لا يدوم خليل
ثمّ دخل المقابر فقال: السلام عليكم يا أهل القبور أموالكم قسّمت ودوركم سكنّت وأزواجكم نكحت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ فهتف هاتف: وعليكم السلام ما أكلنا رِبْحَنَا وما قدّمنا وجدنا وما خلّفنا خسرنا.
{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } قال الفرّاء: أراد يهودياً فحذف الياء الزائدة ورجعوا إلى الفعل من اليهوديّة.
وقال الأخفش: اليهود جمع هايد مثل عائِد وعود وحائل وحول وعايط وعوط وعايذ وعوذ، وفي مصحف أُبي: إلاّ من كان يهودياً أو نصرانياً ومعنى الآية وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان يهوديّاً ولا دين إلاّ دين اليهوديّة وقالت النصارى: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان نصرانيّاً ولا دين إلاّ النصرانية قال الله تعالى: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } شهواتهم الّتي يشتهوها ويتمنوها على الله عزّ وجلّ بغير الحقّ وقيل أباطيلهم بلغة قريش.
{ قُلْ } يا محمّد. { هَاتُواْ } وأصله أتوا فقلبت الهمزة هاءً.
{ بُرْهَانَكُمْ } حجتكم على ذلك وجمعه براهين مثل قربان قرابين وسلطان وسلاطين.
{ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ثمّ قال ردّاً عليهم وتكذبياً لهم { بَلَىٰ } ليس كما قالوا بل يدخل الجنّة { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } مقاتل: أخلص دينه وعمله لله وقيل: فوض أمره إلى الله.
وقيل: خضع وتواضع لله.
وأصل الإسلام والاستسلام: الخضوع والأنقياد وإنّما خصَّ الوجه لأنّه إذا جاد بوجهه في السّجود لم يبخل بسائر جوارحه.
قال زيد بن عمرو بن نفيل:
اسلمتُ وجهي لمن اسلمتله الأرض تحمل صخراً ثقالا
واسلمت وجهي لمن اسلمتله المزن يحمل عذباً زلالاً
{ وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله، وقيل: مؤمن، وقيل: مخلص.
{ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران؛ وذلك إنّ وفد نجران لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتّى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بعيسى والأنجيل، وقالت لهم النّصارى: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بموسى والتوراة. فأنزل الله تعالى { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ }.
{ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } وكلا الفريقين يقرأون الكتاب أي لتبين في كتابكم سر الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم مافيه على أنهم على الباطل.
وقيل: كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية قال: صدقوا جميعاً والله كذلك.
{ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني أباءهم الذّين مضوا.
{ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } قال مقاتل يعني مشركي العرب كذلك قالوا في نبيّهم محمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليسوا على شيء من الدّين.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: (كذلك قال الذين لا يعلمون) من هم؟
قال: أُمم كانت قبل اليهود والنّصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ونحوهم، قالوا في نبيهم إنّه ليس على شيء وأنّ الدّين ديننا.
{ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يقضي بين المحقّ والمبطل يوم القيامة.
{ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدّين.