التفاسير

< >
عرض

صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٤٠
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤١
-البقرة

الكشف والبيان

{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ } قال أبو العالية : دين الله.
مجاهد: الإسلام.
ابن عبّاس: هي إنّ النّصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد، وأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يُقال له : المعبودي وصبغوه به؛ ليطهّروه بذلك مكان الختان، وإذا فعلوا ذلك به قالوا: الآن صار نصرانياً حقاً. فأخبر الله تعالى : إنّ دينه الإسلام لا ما يفعل النصارى.
ابن كيسان: صبغة الله: وجهة الله يعني القبلة. قال: ويُقال: حُجة الله التي احتج بها على عباده.
أبو عبيدة والزجاج: خلقة الله من صبغت الثوب إذا غيّرت لونه وخلّقته. فيكون المعنى : إنّ الله أبتدأ الخلقة على الإسلام، دليلهُ قول مقاتل في هذه الآية
{ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30]. أي دين الله.
ويوضحه ما روى همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من مولود إلاّ وهو على هذه الفطرة. فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، كما تولد البهيمة (بهيمة جمعاء) فهل تجدون فيها من جدعاً حتّى تكون الأم تجدعونها. قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟
قال: الله أعلم بما كانوا عاملين"
.
أبو عبيدة: سنّة الله، وقيل: هو الختان لأنّه يصبغ صاحبه بالدم، وفي الخبر: الختان سنّة للرجال مكرمة للنساء، وهي نصب على الاغراء تقديره: اتبعوا وألزموا صبغة الله.
وقال الأخفش: هي بدل من قوله { مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ }.
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } ديناً.
{ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } مطيعون.
{ قُلْ } يا محمّد لليهود والنصارى: { أَتُحَآجُّونَنَا } أتجادلوننا وتخاصمونا، وقرأ الأعمش.
والحسن وابن محيصن : بنون واحدة مشدّدة.
وقرأ الباقون : بنونين خفيفتين إتباعاً للخط.
{ فِي اللَّهِ } في دين الله وذلك بأن قالوا: يا محمّد إنّ الأنبياء كانوا منّا وعلى ديننا.
{ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } مقاتل والكلبي: لنّا ديننا ولكم دينكم.
{ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } موحدون، وهذه الآية منسوخة بآية السّيف.
فصل في معنى الإخلاص
سُئل الحسن عن الاخلاص ما هو؟
فقال: سألت حُذيفة عن الإخلاص ما هو؟
فقال:
"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخلاص ما هو؟
قال: سألت ربّ العزة عن الإخلاص ما هو؟ قال: سرٌ من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي"
.
وعن أبي أدريس الخولائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ لكلّ حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل الله" .
وقال سعيد بن جبير: الاخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله ولا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله أحداً.
محمّد بن عبد ربّه قال : سمعت الفضيل يقول : ترك العمل من أجل النّاس رياءً والعمل من أجل النّاس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وقال يحيى بن معاذ: الإخلاص تميّز العمل من العيوب كتميّز اللبن من بين الفرث والدم. أبو الحسن البوشجي: هو ما لا يكتبه الملكان ولا يفسده الشيطان ولا يطّلع عليه الإنسان.
رؤيم: هو ارتفاع رؤيتك من الظّل. وقيل: ما يرى به الحق ويقصد به الصدق. وقيل: ما لا يشوبه الآفات ولا تتبعه رخص التأويلات.
وقيل: ما استتر من الخلائق واستصفى من العلائق.
حذيفة (الاخلاص): هو أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.
أبو يعقوب المكفوف: أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
سهل بن عبد الله: ألاّ يُرائي.
عن أحمد بن أبي الجماري قال: سمعت أبا سليمان يقول : للمُرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في النّاس، ويزيد في العمل إذا أُثني عليه.
{ أَمْ تَقُولُونَ } قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص : بالتاء واختاره أبو عبيد، وقرأ الباقون بالياء، واختاره أبو حاتم. فمن قرأ بالتاء فاللمخاطبة التي قبلها { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } والتي بعدها { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } ومن قرأ بالياء فهو أخبار عن اليهود والنّصارى.
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } قال الله: { قُلْ } يا محمّد. { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ } بدينهم.
{ أَمِ ٱللَّهُ } وقد أخبرني الله إنّه لم يكن يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ } أخفى.
{ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } وهو علمهم إنّ إبراهيم وبنيّه كانوا مسلمين، وأن محمّداً صلى الله عليه وسلم حق ورسول.
{ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ } الآية.