التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
٢٥٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

الكشف والبيان

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ }، قال الأخفش: أي كلّمه الله لقوله: { { فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [فصلت: 31] وزان { { مَا تَشْتَهِيهِ } [الزخرف: 71].
{ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } الربيع بن الهيثم قال: لا أُفضّل على نبيّنا أحداً ولا أفضّل بعده على إبراهيم أحداً.
{ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } أي من بعد الرسل { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ } ثبت على إيمانه { وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ } فتهوّد وتنصّر وكانوا يعقوبيّة ونسطوريّة وملكائيّة ثم تحاربوا { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } فيوفّق من يشاء عدلاً ويخذل مَنْ يشاء عدلاً.
وعن الحرث الأعور قال: قام رجل إلى عليّ (رضي الله عنه) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم لا تسلكه.
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: بحر عميق لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال عليّ عليه السلام: أيُّها السائل إن الله خلقك كما شاء أو كما شئت؟.
فقال: كما شاء.
قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟.
قال: كما شاء.
قال: أيّها السائل ألك مع الله مشيئة أو فوق الله مشيئة أو دون الله مشيئة؟ فإن زعمت أن لك دون الله مشيئة فقد أكتفيت عن مشيئة الله، وإن زعمت أنّ لك فوق الله مشيئة فقد زعمت أن مشيئتك غالبة على مشيئة الله، وإن زعمت أن لك مع الله مشيئة فقد أدعيت الشركة، ألست تسأل ربّك العافية؟
قال: بلى.
قال: فمن أي شيء تسأله، أمن البلاء الذي ابتلاك به، أم من البلاء الذي ابتلاك به غيره؟.
قال: من البلاء الذي ابتلاني به.
قال: ألست تقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟
قال: بلى.
قال: فتعلّم تفسيرها؟
قال: لا، علّمني يا أمير المؤمنين مما علمك الله.
قال: تفسيرها: أن العبد لا يقدر على طاعة الله ولا يكون له قوّة على معصية الله في الأمرين جميعاً إلاّ بالله، أيّها السائل إن الله عزّ وجلّ [يصح ويداوي، منه الداء ومنه الدواء] أعقلت عن الله أمره.
قال: نعم.
قال علي (رضي الله عنه): الآن أسلم أخوكم قوموا فصافحوه.
ثم قال: لو وجدت رجلاً من القدرية لأخذت برقبته فلا أزال أطأ عنقه حتى أكسرها فإنّهم يهود هذه الأمّة ونصاراها ومجوسها.
وقال المزني: سمعت الشافعي يقول:

وما شئتَ كانَ وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم } يعني صدقة التطوّع والنفقة في الخير { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } [...] { وَلاَ خُلَّةٌ } ولا صداقة { وَلاَ شَفَاعَةٌ } إلاّ بإذن الله، قرأها كلّها بالنصب ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون كلّها بالرفع والتنوين، وكلا الوجهين سائغ في [العربيّة].
{ وَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } لأنّهم وضعوا العبادة في غير موضعها.