التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
١٦٩
فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٧٠
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٧١
ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٧٢
ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ
١٧٣
فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
١٧٤
إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
١٧٥
وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٧٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٧
وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٧٨
-آل عمران

الكشف والبيان

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } الآية.
قال بعضهم: نزلت هذه الآية في شهداء بدر، وكانوا أربعة عشر رجلاً، ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين، وقال آخرون: نزلت في شهداء أُحد، وكانوا سبعين رجلاً، أربعة من المهاجرين، حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش وسائرهم من الأنصار.
وروى ابن الزبير وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما أُصيب إخوانكم يوم أُحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تزور أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فلمّا وجدوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم، ورأوا ما أعد الله تعالى لهم من الكرامة.
قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا، كي يرغبوا في الجهاد ولا ينكلوا عنه، فقال الله تعالى: أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم، ففرحوا بذلك واستبشروا فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } إلى قوله { أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }"
.
قال قتادة والربيع: ذُكر لنا أنّ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ليتنا نعلم ما فعل بإخواننا الذين قتلوا يوم أُحد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية فقال: جعل الله عزّ وجلّ أرواح شهداء أُحد في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، قال: فأطلع الله تعالى عليهم اطلاعة فقال: هل تشتهون من شيء فأزيدكموه؟ قالوا: ربّنا ألسنا نسرح في الجنة في أيّها شئنا، ثم اطلع عليهم الثانية فقال: هل تشتهون من شيء فأزيدكموه؟ فقالوا: ربّنا أليس فوق ما أعطيتنا شيئاً إلاّ أن نحب أن تعيدنا أحياء، ونرجع إلى الدنيا فنقاتل في سبيلك فنقتل مرة أخرى فيك قال: لا. فقالوا: فتقرىء نبيّنا منّا السلام وتخبره بأن قد رضينا ورضي عنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
"وقال جابر بن عبد الله: قتل أبي يوم أُحد وترك عليَّ بنات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاّ أُبشرك يا جابر قلت: بلى يا نبي الله قال: إنّ أباك حيث أُصيب بأُحد أحياه الله وكلمه كلاماً فقال: يا عبد الله سلني ما شئت قال: أسألك أن تعيدني إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانياً، فقال: يا عبد الله إني قضيت أن لا أعيد خليقة إلى الدنيا. قال: يا ربِّ فمن يبلّغ قومي ما أنا فيه من الكرامة. قال الله تعالى: أنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية" .
حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرّها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلاّ الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فيتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أُخرى" .
وقال بعضهم: نزلت في شهداء بئر معونة، وكان سبب ذلك على ما روى محمد بن إسحاق بن يسار عن أبيه عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، وعن حميد الطويل عن أنس بن مالك وغيرهم من أهل العلم قالوا: "قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأهدى إليه هدية، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال: يا أبا براء أنا لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك ثم عرض عليه، وأخبره بما له فيها وما وعد الله المؤمنين من الثواب، وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل، فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء: أنا لهم جار أي هم في جواري فابعثهم ليدعوا الناس إلى أمرك. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلاً من خيار المسلمين، فيهم الحارث بن الضمة وحَرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهير مولى أبي بكر، وذلك في صَفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أُحد، فساروا حتى نزلوا بين معونة وهي أرض بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، فلما نزلوها قال بعضهم لبعض: أيّكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال حَرام بن ملحان: أنا، فخرج بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء، فلما أتاهم حَرام بن ملحان لم ينظر عامر بن الطفيل في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حرام: يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم وإني أشهد أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله.
فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر فزت وربّ الكعبة. ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا: لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقداً وجواراً. فاستصرخ قبائل من بني سليم عصبة ورعيل وذكوان فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوهم في رجالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف ثم قاتلوهم حتى قتلوا من آخرهم إلاّ كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم عمرو بن أميّة الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف، فلم ينبههما على مصاف أصحابهما إلاّ الطير يحوم على العسكر فقالا: والله إن لهذا الطير لشأناً، فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أميّة: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قُتل فيه المنذر بن عمرو، ثم قاتل القوم حتى قُتل، وأخذوا عمرو بن أمية أسيراً، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمّه، فقدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال رسول الله: هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارهاً متخوفاً"
فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره، وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة.
وروى محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة: أن عامر بن الطفيل كان يقول: من الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه، قالوا: هو عامر بن فهيرة.
قالوا وقال حسان بن ثابت يحرض أبي براء على عامر بن الطفيل:

فتى أم البنين ألم يرعكموأنتم من ذوايب أهل نجد
نهكم عامر بأبي براءليخفره وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعيفما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براءوخالك ماجد حكم بن سعد

وقال كعب بن مالك في ذلك:

لقد طارت شعاعاً كل وجهخفارة ما أجار أبو براء
بني أم البنين أما سمعتمدعاء المستغيث مع النساء
وتنويه الصريخ بلى ولكنعرفتم أنه صدّق اللقاء

فلما بلغ ربيعة من البراء قول حسان وقول كعب بن مالك، حمل على عامر بن الطفيل وطعنه فخر عن فرسه فقال: هذا عمل أبي براء، إن متُّ فدمي لعمي ولأتبعنّ به وإن أعش فسأرى فيه الرأي. وقال إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك قال: أنزل الله تعالى في شهداء بئر معونة قرآناً بلّغوا قومنا عنا إنا قد لقينا ربّنا فرضى عنّا ورضينا عنه، ثم نسخت ورفعت بعد ما قرأناها زماناً وأنزل الله عزّ وجلّ { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } الآية.
وقال بعضهم: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سروراً تحسروا على الشهداء وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور، فأنزل الله عزّ وجلّ تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } ولا تظنن وروى هشام عن أهل الشام: (يحسبن) بالياء. وقرأ الحسن وابن عامر: (الذين قتّلوا) مشدداً، (أمواتاً) كموت من لم يقتل في سبيل الله، ونصب أمواتاً على المفعول الثاني، لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين، فإذا قلت: حسبت زيداً، لا يكون كلاماً تاماً حتى تقول: قائماً أو قاعداً { بَلْ أَحْيَاءٌ } تقديره: بل هم أحياء.
وقرأ ابن أبي عبلة: أحياءً نصباً أي أحسبهم أحياء { عِندَ رَبِّهِمْ }.
وقال بعضهم: يعني أحياء في الدنيا حقيقة، وقيل: (في العالم) وقيل: بالثناء والذكر، كما قيل:

موت التقي حياة لا فناء لهاقد مات قوم وهم في الناس أحياء

وقيل: ممّا هم أحياء.
{ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ويأكلون ويتنعمون كالأحياء، وقيل: إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة ويشتركون في فضل كل مجاهد يكون في الدنيا إلى يوم القيامة، لأنهم سلوا أمر الجهاد، فيرجع أجر من يقتدي بهم إليهم، نظيره قوله:
{ { كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً } [المائدة: 32] الآية، وقيل: لأن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة، كأرواح الأحياء من المؤمنين الذين باتوا على الوضوء. وقيل: لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض.
يقال: أربعة لا تبلى أجسادهم: الأنبياء والعلماء والشهداء وحملة القرآن.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة:
"أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين ثم السلميين، كانا قد خرّب السيل قبرهما وكانا في قبر واحد وهما من شهداء أُحد، وكان قبرهما ممّا يلي السيل، فحفر عنهما ليغيّروا عن مكانهما فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم أُحد وبين يوم حُفر عنهما ستة وأربعون سنة. وقيل: سمّوا أحياءً لأنهم لا يغسّلون كما لا يغسل الأحياء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم زمّلوهم في كلومهم ودمائهم، اللون لون الدم والريح ريح المسك"
.
وقال عبيد بن عمر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف يوم أُحد مرَّ على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا ثم قرأ: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ } [الأحزاب: 23] الآية، ثم قال صلى الله عليه وسلم إن رسول الله يشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم وسلّموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلاّ ردّوا عليه، يرزقون من ثمار الجنة وتحفها" .
{ فَرِحِينَ } نصب على الحال والقطع من قوله { يُرْزَقُونَ }.
وقرأ ابن السميقع: (فارحين) بالألف، وهما لغتان كالفرة والفأرة والحذر والحاذر والطمع والطامع والبخل والباخل.
{ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من ثوابه { وَيَسْتَبْشِرُونَ } يفرحون، وأصله من البشرة، لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في بشرة وجهه { بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على منهاجهم من الإيمان والجهاد، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا لحقوا بهم فصاروا من كرائم الله عزّ وجلّ إلى مثل ما صاروا هم إليهم، فهم لذلك مستبشرون.
وقال السدي: يؤتى الشهيد بكتاب فيه من تقدم عليه من إخوانه وأهله فيقال: تقدم فلان عليك يوم كذا وتقدم فلان يوم كذا، فيستبشر حين يقدم عليه كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا.
{ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } يعني بأن لا خوف { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ } يعني وبأن الله في محل الخفض على قوله: { بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ }.
وقرأ الكسائي والفرّاء والمفضل ومحمد بن عيسى: (وأن الله) بكسر الألف على الاستثناء، ودليلهم قراءة ابن مسعود { وَاللَّهُ } (لا يضيع أجر المؤمنين).
قال الكلبي باسناده: إن العبد إذا لقى العدو في سبيل الله، فتح له باب من السماء وأطلعت عليه زوجتاه من الحور العين، فإذا أقبل على العدو يقاتلهم قالتا: اللهم وفقه وسدّده، وإذا أدبر عن العدو قالتا: اللهم أعف وتجاوز، فإذا قتل يباهي الله عزّ وجلّ به الملائكة فيقول لهم: انظروا إلى عبدي بذل نفسه ودمه ابتغاء مرضاتي، فتقول الملائكة: يا ربّ أفلا تذهب فتنصره على من يريد قتله؟ فيقول لهم: خلّوا عن عبدي، فقد سهر ونصب في طلب مرضاتي، أحبَّ لقائي وأحببت لقاءه. فينزل إليه زوجتاه من الحور العين، ويأمر الله الملائكة أن يأتوه من آفاق الأرض، فيحبونه ويبشرونه بالجنة والكرامة من الله تعالى، فإذا فعلوا ذلك بعث الله إليهم: أن خلّوا بين عبدي وبين زوجته حتى يستريح، فتقول زوجتاه: لقد كنا إليك بالأشواق، ويقول لهما مثل ذلك.
وعن الحسين بن علي (عليه السلام) قال:
"بينما علي بن أبي طالب يخطب الناس ويحثهم على الجهاد إذ قام إليه شاب وقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله؟ قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته العصباء ونحن منقلبون من غزوة، فسألته عمّا سألتني عنه فقال صلى الله عليه وسلم الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب الله تعالى لهم براءة من النار، فإذا تجهزوا لغزوهم باهى الله تعالى بهم الملائكة، فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت، ويخرجون من ذنوبهم كما تخرج الحية من سلخها، يوكل عزّ وجلّ بكل رجل منهم أربعين ألف ملك يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ولا يعمل حسنة إلاّ ضعفت له، وكتب له كل يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله عزّ وجلّ ألف سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، اليوم مثل عمر الدنيا، فإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله إياهم، فإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوّقت السهام وتقدم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها ويدعون الله لهم بالنصرة والتثبت، ونادى مناد: الجنة تحت ظلال السيوف، فتكون الضربة والطعنة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف، وإذا زال الشهيد عن فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتى يبعث الله تعالى إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد الله له من الكرامة، وإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض: مرحباً بالروح الطيب التي أُخرجت من البدن الطيب أبشر فإن لك ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ويقول الله تعالى: أنا خليفته في أهله، من أرضاهم فقد أرضاني ومن أسخطهم فقد أسخطني، ويجعل الله روحه في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش، ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس، سلوك كل غرفة ما بين صنعاء والشام يملأ نورها ما بين الخافقين، في كل غرفة سبعون باباً، على كل باب سبعون مصراعاً من ذهب، وعلى كل باب سبعون غرفة مسبلة، وفي كل غرفة سبعون خيمة، في كل خيمة سبعون سريراً من ذهب قوائمها الدر والزبرجد، مزمولة بقضبان الزمرد، على كل سرير أربعون فراشاً، غلظ كل فراش أربعون ذراعاً، على كل فراش زوجة من الحور العين { عُرُباً أَتْرَاباً } [الواقعة: 37] "
.
فقال الشاب: يا أمير المؤمنين أخبرني عن العروبة؟ قال: "هي الغنجة الرضية المرضية الشهية، لها ألف وصيف وسبعون ألف وصيفة، صفر الحلي بيض الوجوه، عليهن تيجان اللؤلؤ، على رقابهم المناديل، بأيديهم الأكواب والأباريق، وإذا كان يوم القيامة يخرج من قبره شاهراً سيفه تشخب أوداجه دماً، اللون لون الدم والرائحة رائحة المسك، يخطو في عرصة القيامة. فوالذي نفسي بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجّلوا لهم، ممّا يرون من بهائهم، حتى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألف من أهل بيته وجيرته، حتى أن الجارين يتخاصمان أيهما أقرب جواراً فيقعدون معي ومع إبراهيم على مائدة الخلد، فينظرون إلى الله في كل يوم بكرة وعشية".
وروى مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي: رجل كانت له صحبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه: يكفّر عنه كل خطيئة، ويرى مقعده من الجنة، ويزوَّج من الحور العين، ويؤمن الفزع الأكبر وعذاب القبر، ويحلّى بحلية الإيمان" .
ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأتاه رجل أسود فقال: يا رسول الله إني أسود قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أُقتل فأين أنا؟ قال: في الجنة قال: فحمل عليهم فقاتل حتى قُتل، قال: فجاء رسول الله (عليه السلام) حتى وقف على رأسه فقال: لقد بيّض الله وجهك وطيّب ريحك وأكثر مالك ثم قال: لقد رأيت زوجتيه من الحور العين في الجنة تنازعانه جبة له من صوف، ليدخلا بينه وبين جبته" .
أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يجد الشهيد من القتل في سبيل الله إلاّ كما يجد أحدكم مسَّ القرصة" .
وفي غير هذا الحديث: "عضة نملة أشد على الشهيد من مس السلاح" .
وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً يصونهم عن القتل والزلازل والأسقام، يطيل أعمارهم في حسن العمل، ويحسن أرزاقهم ويُحييهم في عافية ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش، ويعطيهم منازل الشهداء" .
{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } الآية، وذلك " أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا عن المسلمين من أُحد فبلغوا الروحاء، ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا: لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى لم يبق منهم إلاّ الشريد، تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم، فبلغ ذلك الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يذهب العدو ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان، فقال: ألا عصابة تشدد لأمر الله تطلب عدوها فإنها أنكأ للعدو وأبعد للسمع فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجروح والقروح الذي أصابهم يوم أُحد، ونادى منادي رسول الله: ألا لا يخرجن فيها أحد إلاّ من حصر يومنا بالأمس، فكلمه جابر بن عبد الله فقال: يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع، وقال لي: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ولا رجلٌ فيهم، ولست بالذي أُؤثرك على نفسي بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف على أخواتك، فتخلفته عليهن، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرعباً للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم فيظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم فينصرفوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلا، حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثلاثة أميال."
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لعبد الله بن الزبير: يابن أُختي أما والله إن أباك وجدّك يعني أبا بكر والزبير لمن الذين قال الله: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ }.
وروى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السايب: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أُحداً، قال:
"شهدت أُحداً أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذّن مؤذّن رسول الله بالخروج في طلب العدو قلنا: لا تفوتنا غزة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما لنا دابة نركبها وما منّا إلاّ جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحاً من أخي وكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، فمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد الخزاعي بحمراء الأسد، وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئاً كان بها، ومعبد يومئذ مشرك فقال: يا محمد والله لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم، ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقى أبا سفيان ومن معه بالروحاء، قد أجمعوا على الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: قد أصبنا جلّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرّن على بقيتهم فلنفرغن منهم، فلما رأى أبو سفيان معبداً قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه بطلبكم في جمع لم أرَ مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على صنيعهم، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أرَ مثله قط، قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنأتي على بقيتهم. قال: فإني والله أنهاك عن ذلك فقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتاً.
قال: وما قلت؟ قال: قلت:
* كادت تهدّ من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل *
* تردي بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا خرق معاذيل *
* فظلت عدواً أظن الأرض مائلة * لمّا سمعوا برئيس غير مخذول *
* فقلت: ويٌ لابن حرب من لقائكم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل *
* إني نذير لأهل السير ضاحية * ولكل ذي إربة منهم ومعقول *
* من جيش أحمد لا وحش قنابله * وليس يوصف ما أثبت بالقيل *
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، ومرَّ به ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟
قالوا: نريد المدينة نريد الميرة.
قال: فهل أنتم مبلّغون محمداً عني برسالة أرسلكم بها وأُحمّل لكم إبلكم هذه زبيباً بسوق عكاظ إذا وافيتمونا؟ قالوا: نعم، قال: فإذا جئتموه فأخبروه إنا قد أجمعنا إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم. وانصرف أبو سفيان إلى مكة ومرَّ الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان.
فقال رسول الله وأصحابه: حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الثالثة إلى المدينة وقد ظفر في وجهه بمعاوية بن المغيرة بن العاص وأبي غرة الجمحي،"
هذا قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد وعكرمة: نزلت هذه الآيات في غزوة بدر الصغرى، وذلك
"أن أبا سفيان قال يوم أُحد حين أراد أن ينصرف: يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل إن شئت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيننا وبينك إن شاء الله فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية من الظهران، ثم ألقى الله عزّ وجلّ الرعب في قلبه قبل الرجوع، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال له أبو سفيان: يا نعيم إني واعدت محمداً وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى، وإن هذه عام جدب ولا يصلحنا إلاّ عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا، فيزيدهم ذلك جرأة، ولأن يكون الخلف من جهتهم أحبُّ إليَّ من أن يكون من قبلي، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أنّا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها لك على يدي سهيل بن عمرو يضمنها.
قال: فجاء سهيل فقال له نعيم: يا أبا يزيد أتضمن لي هذه الفرائض فانطلق إلى محمد وإثبطه. قال: نعم، فخرج نعيم حتى قدم المدينة فوجد الناس يتجهزون بميعاد أبو سفيان، فقال: أين تريدون؟
فقالوا: واعدنا أبو سفيان بموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها.
قال: بئس الرأي رأيتم، أتوكم في دياركم وقراكم فلم يفلت منكم إلاّ شريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم، والله لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله الخروج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون: قد جمعوا لكم. يريدون أن يرعبوا المسلمين، فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى لقوا بدر وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة، فسماهم أهل مكة جيش السويق وقالوا: إنما خرجتم تشربون السويق، فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحداً من المشركين ببدر، ووافوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوها وأصابوا الدرهم والدرهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين"
. فذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ }.
ومحل (الذين) خفض على صفة المؤمنين تقديره { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المستجيبين لله والرسول ومعنى الاستجابة: الاجابة والطاعة، نظيره قوله تعالى:
{ { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [البقرة: 186] فليطيعوا لي { مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ } أي نالهم الجراح والكلوم، وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ } بطاعة رسول الله وإجابته إلى الغزو { وَٱتَّقَواْ } معصيته وطاعته { أَجْرٌ عَظِيمٌ } ثواب كثير { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } ومحل (الذين) خفض أيضاً مردود على الذين الأول، وأراد (بالناس) نعيم ابن مسعود في قول مجاهد ومقاتل وعكرمة والواقدي، وهو على هذا التأويل من العام الذي أُريد به الخاص، نظيره قوله: { { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } [النساء: 54] يعني محمداً وحده، وقوله: { { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57] يريد الرجال وحدهم.
وقال ابن اسحاق وجماعة: يريد بـ (الناس) الركب من عبد القيس وقد مضت قصتهم.
وقال السدي:
"لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى ميعاد أبي سفيان، أتاهم المنافقون وقالوا: نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم فعصيتمونا، وقد أتوكم في داركم وقاتلوكم وظفروا، فإن أتيتموهم في ديارهم لا يرجع أحد منكم. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" .
وقيل: (الناس) ساروا الناس في هذه الآية هم المنافقون.
وقال أبو معشر: دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة، فسألهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي سفيان فقالوا: قد جمعوا لكم جموعاً كثيرة فاجتنبوهم. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } يعني أولئك القوم من بني هذيل { إِنَّ ٱلنَّاسَ } يعني أبا سفيان وأصحابه { قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } فخافوهم واحذروهم، فإنه لا طاقة لكم بهم { فَزَادَهُمْ } ذلك { إِيمَاناً } يعني تصديقاً ويقيناً وقوة وجرأة.
ذكر بعض ما ورد في الأخبار في زيادة الإيمان ونقصانه
روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال:
"قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص؟ قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار" .
عطاء: إنما مجادلة أحدكم في الحق، فيكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربّهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: فيقولون: ربّنا إخواننا كانوا يصلّون معنا ويصومون معنا ويحجّون معنا فأدخلتهم النار. قال: فيقول: إذهبوا فأخرجوا من قد عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون: ربّنا قد أخرجنا من أمرتنا. قال: ثم يقول لهم: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول فمن كان في قلبه ذرة.
وعن سهل بن حنيف قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قميص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فماذا أولت يا رسول الله؟ قال: الدين" .
وعن هذيل بن شرحبيل عن عمر(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض أو بإيمان هذه الأمة لربح به" .
وعن ابن سابط قال: كان عبد الله بن رواحة يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: تعالوا نؤمن ساعة تعالوا نزدد إيماننا، تعالوا نذكر الله تعالى، [تعالوا نذكره بطاعته لعله يذكرنا بمغفرته].
وعن عبد الله بن عمرو بن هند قال: قال علي كرم الله وجهه: إن الإيمان يبدأ نقطة بيضاء في القلب، كلما ازداد الإيمان ازدادت بياضاً، حتى يبيضّ القلب كله، وإن النفاق يبدأ نقطة سوداء في القلب، وكلما ازداد النفاق ازدادت سواداً، حتى يسوّد القلب كله، والذي نفسي بيده لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض القلب ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود القلب.
وعن عمير بن حبيب بن خماشة قال: الإيمان يزيد وينقص. فقيل له: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا ربّنا وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيقنا فذلك نقصانه.
وعن محمد بن طلحة عن زبيد عن زر قال: كان عمر ممّا يأخذ الرجل والرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزدد إيماناً.
وعن محمد بن فضيل عن أبيه عن سماك عن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزدد إيماناً.
وعن الحرث بن عمير عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزيد وينقص.
وعن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: الإيمان يزداد وينقص.
الحرث بن الحصين عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينقص.
أبو حذيفة: إن عمر بن عبد العزيز قال: الإيمان يزيد وينقص.
سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما نقصت أمانة عبد قط إلاّ نقص من إيمانه.
وعن عثمان بن سعد الدارمي قال: سألت محمد بن كثير العبدي عن الإيمان فقال: هو قول وعمل يزيد وينقص، قلت: أكان سفيان يقوله؟ قال: نعم بلا شك.
وقال: سألت أبا حذيفة موسى بن مسعود عن الإيمان قال: هو قول وعمل يزيد وينقص، قلت: أكان سفيان يقوله؟ قال: نعم.
قال: وسألت عارم بن الفضل عن الإيمان، فقال: هو قول وعمل يزيد وينقص، قلت: أكان حماد بن يزيد يقوله؟ قال: نعم.
قال: وسألت أبا الوليد الطيالسي عن الإيمان، فقال: قول وعمل ونية، قلت: أيزداد وينقص؟ قال: نعم.
قال: وسألت سليمان بن حرب عن الإيمان، فقال: مثل ذلك.
قال: وسمعت مسلم بن إبراهيم يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
قال: وسألت علي بن عبد الله المديني عن الإيمان، قال: قول وعمل ونية، قلت: أينقص ويزداد؟ قال: نعم يزداد وينقص حتى لا يبقى منه شيء.
قال: وسألت عمر بن عون الواسطي عن الإيمان فقال: مثل ذلك. قال: وسمعت يحيى بن يحيى يقول: الإيمان قول وعمل والناس يتفاضلون في الإيمان. قال: وسألت أحمد بن يونس عن الإيمان. قال: هو عمل يزيد وينقص.
قال: وسألت عبد الله بن محمد [الطفيل] وكان مُتّقياً عن الإيمان فقال: هو قول وعمل يزيد وينقص، فأروه عني.
قال: وسألت أبا بويه الجيلي عن الإيمان فقال: قول وعمل يزيد وينقص.
قال: وسمعت محبوب بن موسى الأنطاكي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ومن كره الاستثناء فقد أخطأ السنّة. قلت: أكان أبو إسحاق الفراري يقوله؟ قال: كان أبو إسحاق يخرج من المصيصة من لا يقول الإيمان يزيد وينقص.
قال: وسمعت محبوب بن موسى يقول: سمعت يوسف بن أسباط يقول: الإيمان يزيد وينقص.
قال: وسمعت الحسين بن عمر السجستاني يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
قال الحسن: وكان وكيع بن الجراح وعمر بن عمارة وابن أبي برزة وزهير بن نعيم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
قوله تعالى { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } أي كافينا وثقتنا، والنون والألف مخفوضتان بالإضافة كقولك: حسب زيد درهم، لان حسب اسم وإن كان في مذهب الفعل ألا ترى ضمة الثانية.
قال الشاعر:

فتملأ بيتنا إقطا وسمناوحسبك من غنىً شبع وريّ

{ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } أي الموكول إليه الأمور، فعيل بمعنى مفعول.
قال الواقدي: ونعم الوكيل أي المانع. نظيره قوله:
{ { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } [الإسراء: 86] أي مانعاً، وقوله: { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } [الإسراء: 65].
عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كان آخر ما تكلم به رسول الله إبراهيم (عليه السلام) حين أُلقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل" .
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحمد على الكيس ويلوم على العجز، وإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل" .
{ فَٱنْقَلَبُواْ } فانصرفوا ورجعوا، نظيره قوله: { { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ } [يوسف: 62] أي رجعوا.
{ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي بعافية لم يلقوا بها عدواً وبراء جراحهم { وَفَضْلٍ } بربح وتجارة، وهو ما أصابوا من السوق فربحوا { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } لم يصبهم قتل ولا جرح ولا ينالهم سوء ولا أذى ولا مكروه { وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } في طاعة الله وطاعة رسوله، وذلك أنهم قالوا: هل يكون هذا غزواً؟ فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } يعني ذلك الذي قال لكم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، من فعل الشيطان ألقى في أفواههم يرهبوهم ويجبنوا عنهم { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أي يخوفكم بأوليائه، أي أولياء إبليس حتى يخوّف المؤمنين بالكافرين.
وقال السدي: يعظم أولياءه في صدورهم ليخافوهم، نظيره قوله عزّ وجلّ:
{ { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً } [الكهف: 2] أي ببأس، وقوله: { { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15] و { { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [الشورى: 7] أي بيوم الجمع يخوف الناس أولياءه، كقول القائل: ويعطى الدراهم ويكسي الثياب، بمعنى هو يعطي الناس الدراهم ويكسي الناس الثياب. يدل عليه قراءة ابن مسعود: (يخوف الناس أولياءه).
وروى يحيى بن اليمان عن طلحة عن عطاء أنه كان يقرأ { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ }.
وروى محمد بن مسلم بن أبي وضاح قال: حدثنا علي بن خزيمة قال: في قراءة أُبي بن كعب: يخوفكم بأوليائه. { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } في ترك أمري { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } مصدقين بوعدي فإني المتكفل لكم بالنصر والظفر { وَلاَ يَحْزُنكَ }.
قرأ نافع: (يُحزِنك) بضم الياء وكسر الزاي، وكذلك جميع ما في القرآن من هذا الفعل، إلاّ التي في الأنبياء
{ { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] فإنه بفتح الياء وضم الزاي، وضده أبو جعفر، وقرأ ابن محيصن كلها بضم الياء وكسر الزاي.
الباقون كلها بالفتح وضم الزاي، وهما اختيار أبي عبيد وأبي حاتم، وهما لغتان، حزن يحزن وأحزن يحزن إلاّ أن اللغة العالية الفصيحة: حزن يحزن وأحزنته قال الشاعر:

مضى صحبي وأحزنني الديار

{ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ }.
قرأه العامة: هكذا، وقرأ طلحة بن مصرف: يسرعون.
قال الضحاك: هم كفار قريش، وقال غيره: هم المنافقون يسارعون في الكفر بمظاهرة الكفار.
{ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } بمسارعتهم في الكفر ومظاهرتهم أهله { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ } نصيباً في ثواب الآخرة، فلذلك خذلهم حتى سارعوا في الكفر { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وفي هذه الآية ردَّ على القدرية.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } استبدلوا الكفر بالإيمان { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } فإنهم يضرون أنفسهم { وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.
قراءة حمزة وأبي بحتريه: بالتاء.
الباقون: بالياء، فمن قرأ بالياء ف (الذين) في محل الرفع على الفاعل تقديره: ولا يحسبن الكفار أن إملاءنا خير لهم.
ومن قرأ بالتاء، قال الفراء: هو على التكرير في المعنى، ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا ولا تحسبن إنما نملي، لأنك إذا أعلمت الحسبان في الذين لم يجز أن يقع على إنما، وهو كقوله:
{ { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } [محمد: 18] يعني هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم بغتة، وقيل: موضع إنما نصب على البدل من الذين.
كقول الشاعر:

فما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدّما

فرفع (هلك) على البدل، من الأول، والاملاء الإمهال والتأخير والإطالة في العمر والإنساء في الأجل، ومنه قوله تعالى: { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [مريم: 46] أي حيناً طويلا ويقال: عشت طويلا، أي تمليت حيناً، وأصله من الملاوة والملا وهما الدهر.
قال الشاعر:

وقد أراني للغوالي مصيداًملاوة كأن فوقي جلدا

والملوان: الليل والنهار.
قال تميم بن مقبل:

ألا يا ديار الحيبالسبعان أمل عليها بالبلى

ثم قال { أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ } نمهلهم { لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } نزلت هذه الآية في مشركي قريش.
قال مقاتل: قال عطاء: في قريظة والنضير.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه أن رجلا قال:
"يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله" .
وقال ابن مسعود: ما من نفس برّة ولا فاجرة إلاّ والموت لها، فأما الفاجرة فمستريح ومستراح منه، وقرأ { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ } الآية، وأما البرّة فقرأ { نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }.