التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٥٥
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٥٦
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٥٧
ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ
٥٨
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
٥٩
ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ
٦٠
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ
٦١
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦٢
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ
٦٣
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٦٤
-آل عمران

الكشف والبيان

{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ } اختلفوا في معنى التوفّي ههنا:
فقال كعب والحسن والكلبي ومطر الوراق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: معناه: إنّي قابضك.
{ وَرَافِعُكَ }: من الدّنيا.
{ إِلَيَّ }: من غير موت، يدلّ عليه قوله
{ { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } [المائدة: 117] أي قبضتني إلى السماء وأنا حيّ ؛ لأنّ قومه إنّما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته. وعلى هذا القول للتوفّي تأويلان: أحدهما: إنّي رافعك إليّ وافياً لن ينالوا منك. من قولهم: توفّيت كذا واستوفيته أي أخذته تامّاً.
و الآخر: إنّي مسلّمك، من قولهم: توفيت منه كذا أي سلّمته. وقال الربيع بن أنس: معناه أنّي منيمك ورافعك إليّ من قومك، يدل عليه قوله:
{ { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } [الأنعام: 60]: أي ينيمكم ؛ لأنّ النوم أخو الموت، وقوله { { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [الزمر: 42].
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنّي مميتكم، يدلّ عليه:
{ { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } [السجدة: 11]، وقوله { { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } [يونس: 46] وله على هذا القول تأويلان:
أحدهما: ما قال وهب: توفّى اللّه عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ورفعهُ. والآخر: ما قاله الضحّاك وجماعة من أهل المعاني: إنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، معناه إنّي رافعك إليّ.
{ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: ومتوفّيك بعد إنزالك من السماء كقوله عز وجّل:
{ { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } [طه: 129]. وقال الشاعر:

ألا يا نخلةً من ذات عرقعليك ورحمةُ اللّهِ السّلام

أي عليك السلام ورحمة الله.
وقال آخر:

جمعت وعيباً نخوة ونميمةثلاث خصال لسن من ترعوي

أي جمعت نخوة ونميمة وعيباً.
وروى أبو هريرة عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال:
"الأنبياء إخوة لعلاّت شتّى ودينهم واحد، وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم ؛ لأنّه لم يكن بيني وبينه نبّي، وإنّه عامل على أُمّتي وخليفتي عليهم، إذا رأيتموه فاعرفوه فإنّه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره ممطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصّرتين يدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، وليسلكنّ الروحاء حاجّاً أو معتمراً أو كلتيهما جميعاً، ويقاتل النّاس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملك كلها ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذّاب الدجّال، ويقع في الأرض الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الأغنام، ويلعب الصبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضاً، ويلبث في الأرض أربعين سنة" .
وفي رواية كعب: "أربعاً وعشرين سنة، ثم يتزوج ويولد، ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه في حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم" .
وقيل للحسن بن الفضل: هل تجد نزول عيسى (عليه السلام) في القرآن. فقال: نعم.
قوله: { وكهلاً }، وهو لم يكتهل في الدنيا، وإنّما معناه { وكهلاً } بعد نزوله من السماء.
وعن محمد بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر حدّثه عن الآية عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في أوسطها" .
وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي: معناه أنّي متوفّيك عن شهواتك وحطوط نفسك، ولقد أحسن فيما قال لأنّ عيسى لمّا رُفع إلى السّماء صار حاله كحال الملائكة.
{ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }: قال البشالي والشيباني: كان عيسى على [....] فهبّت ريح فهرول عيسى (عليه السلام) فرفعه اللّه عز وجّل في هرولته، وعليه مدرعة من الشعر.
قال ابن عباس: ما لبس موسى إلا الصوف وما لبس عيسى إلا الشعر حتى رفع.
وقال ابن عمر: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم في الطواف فقيل له في ذلك. فقال: استقبلني عيسى في الطواف ومعه ملكان.
وقيل: معناه رافعك بالدرجة في الجنّة ومقرّبك إلى الأكرام { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: أي مخرجك من بينهم ومُنجيك منهم.
{ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }: قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي: هم أهل الإسلام الذين اتّبعوا دينه وسنّته من أُمّة محمّد ؛ فوالله ما اتّبعه من دعاه رباً { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: ظاهرين مجاهرين بالعزة والمنعة والدليل والحجة.
الضحّاك ومحمد بن أبان: يعني الحواريّين فوق الذين كفروا، وقيل: هم الرّوم.
وقال ابن زيد: وجاعل النّصارى فوق االيهود. فليس بلد فيه أحد من النّصارى إلا وهم فوق اليهود، واليهود مستذلّون مقهورون، وعلى هذين القولين يكون معنى الإتّباع الإدّعاء والمحبة لا اتّباع الدّين والملّة.
{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } في الآخرة.
{ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }: من الدين وأمر عيسى (عليه السلام).
{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا }: بالقتل والسّبي والذّلّة والجزية
{ وَٱلآخِرَةِ }: بالنار.
{ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }.
{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ }: قرأ الحسن وحفص ويونس: بالياء، والباقون بالنون.
{ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } .
{ ذٰلِكَ }: أي هذا الذي ذكرته.
{ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }.
قال النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن.
وقيل: هو اللوح المحفوظ، وهو معلّق بالعرش في درّة بيضاء، والحكيم: هو الحكم من الباطل.
قال مقاتل: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } الآية: وذلك أنّ وفد نجران قالوا: يا رسول اللّه مالك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنّه عبد؟ قال: أجل هو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله؟ فأنزل اللّه عز وجّل { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } في كونه خلقاً من غير أب { كَمَثَلِ ءَادَمَ } في كونه خلقاً من غير أب ولا أم { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ }: تم الكلام.
{ ثُمَّ قَالَ لَهُ }: يعني لعيسى.
{ كُن فَيَكُونُ }: يعني فكان.
{ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ }:
قال الفرّاء: رفع لخبر ابتداء مضمر يعني هو الحق أي هذا الحق. وقال أبو عبيدة: هو استئناف بعد انقضاء الكلام وخبره في قوله: { مِن رَّبِّكَ }، وقيل بإضمار فعل أي حال الحق، وإن شئت رفعته بالضمّة ونويت تقديماً وتأخيراً تقديره من ربّك الحق كقولهم: منك يدك ، وإن كان مثلاً.
{ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أُمّته لأنّه لم يكن ينهاه في أمر عيسى.
{ فَمَنْ حَآجَّكَ }: خاصمك وجادلك بأمر يا محمد.
{ فِيهِ }: في عيسى.
{ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ }: بأنه عبد اللّه ورسوله.
{ فَقُلْ تَعَالَوْاْ }: قرأ الحسن وأبو واقد الليثي وأبو السمّاك العدوي: { تعالوا } بضم اللام، وقرأ الباقون بفتحها و الأصل فيه تعاليوا لأنّه تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضّمة على الياء فسكنت ثم حذفت وبقيت [اللام على محلّها وهي عين الفعل] ضم فإنّه نقل حركة الياء المحذوفة التي هي لام الفعل إلى اللام.
قال الفرّاء: معنى تعال كأنّه يقول ارتفع.
{ نَدْعُ }: جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم فيه سقوط الواو.
{ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ }: وقيل: أراد نفوسهم، وقيل: أراد الأزواج.
{ ثُمَّ نَبْتَهِلْ }: نتضرّع في الدّعاء. قاله ابن عباس.
مقاتل: نخلص في الدعاء.
الكلبي: نجهد ونبالغ في الدّعاء. الكسائي وأبو عبيدة: نلتعن بقول: لعن اللّه الكاذب منّا، يقال: عليه بهلة اللّه، وبهلته: أي لعنته.
قال لبيد:

في قدوم سادة من قولهمنظر الدهر إليهم فابتهل

{ فَنَجْعَل }: عطف على قوله: نبتهل.
{ لَّعْنَتَ ٱللَّهِ }: مصدر. { عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ }: منّا ومنكم في أمر عيسى، فلمّا قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غداً. فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ماترى؟ فقال: واللّه يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمداً نبيٌ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما لاعن قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلاّ البقاء لدينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد غدا رسول اللّه محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي (رضي الله عنه) خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأَمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكُن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإنّي أُنابذكم بالحرب. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تُخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفاً في صفر وألفاً في رجب. فصالحهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ذلك. وقال: والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران ولو تلاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا. قال اللّه تعالى:
{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } إلى { فَإِن تَوَلَّوْاْ }: أعرضوا عن الإيمان.
{ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }: الذّين يعبدون غير اللّه ويدعون النّاس إلى عبادة غيره.
{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية.
قال المفسرون: قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانياًوهم على دينه وأولى النّاس به. وقالت اليهود: بل كان يهودياً وأنّهم على دينه وأولى النّاس به. فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً وأنا على دينه فأتبعوا دينه الإسلام. فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى رباً. وقالت النصارى: واللّه يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير. فأنزل اللّه تعالى { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ } عدل { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } وكذلك كان يقولهاابن مسعود قال: دعا فلان إلى السّواء أي إلى النصف، وسواء كل شيء وسطه. قال اللّه
{ { فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 55]، وإنّما قيل للنصف سواء لأن أعدل الامور وأفضلها أوسطها. وسواء نعت للكلمة إلا أنّه مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث. فإذا فتحت السين مدّت، وإذا كسرت أو ضُمّت قصرت. كقوله عز وجّل: { { مَكَاناً سُوًى } [طه: 58]: أي مستو به ثم فسّر الكلمة فقال: { أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ }: محل (أن) رفع على إضمار هي.
قال الزجاج: محلّه رفع [بمعنى أنه لا نعبد]، وقيل: محله نصب بنزع حرف الصفة معناه: بأن لا نعبد إلا اللّه.
وقيل: محله خفض بدلاً من الكلمة أي تعالوا أن لا نعبد إلاّ اللّه.
{ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ }: كما فعلت اليهود والنصارى. قال اللّه:
{ { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [التوبة: 31]. قال عكرمة: هو سجود بعضهم لبعض.
وقيل معناه: لا تطع في المعاصي أحداً، وفي الخبر من أطاع مخلوقاً في معصية اللّه فكأنّما سجد سجدة لغيره.
{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ }: أنتم لهم { ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }: مخلصون بالتوحيد، وكتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية إلى قيصر وملوك الروم،
"من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم...
سلام على من اتبع الهدى.
أمّا بعد.... فإنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم.أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فلن تملكوا إلا أربع سنين، فإن توليت فعليك إثم الاريسيين، يا أهل الكتاب { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية"
.