التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
٨
أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٩
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
١٠
ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
١١
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٢
وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ
١٣
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
١٤
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
١٥
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
١٦
فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ
١٧
وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ
١٨
-الروم

الكشف والبيان

{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } يعني ولوقت معلوم إذا انتهت إليه فُنيت، وهو يوم القيامة.
{ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } حرثوها وقلّبوها للزراعة والعمارة. { وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } فلم يؤمنوا وأهلكهم الله عزّ وجلّ.
{ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ } العمل { ٱلسُّوۤأَىٰ } يعني الخلّة التي تسوؤهم وهي النار. وقيل: (السّوأى) اسم لجهنّم كما أنّ (الحسنى) اسم للجنة.
{ أَن كَذَّبُواْ } يعني لأن كذّبوا. وقيل: تفسير (السّوأى) ما بعدها وهو قوله: { أَن كَذَّبُواْ } يعني: ثمّ كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أنْ كذَّبوا { بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } استهزءوا بها.
{ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ }.
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (يبلس) يكتئب. أبو يحيى عنه: يفتضح. قتادة ومقاتل والكلبيّ: بياءين، ابن زيد: المبلس الذي قد نزل به البلاء والشّرّ. الفرّاء: ينقطع كلامهم وحججهم. أبو عبيدة: يندمون، وأنشد:

يا صاح هل تعرف رسماً مكرساقال نعم أعرفه وأبلسا

وقرأ السلمي { يُبْلِسُ } بفتح اللاّم، والأوّل أجود. { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ } أوثانهم التي عبدوها من دون الله ليشفعوا لهم { شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } جاحدين وعنهم متبرّين.
{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } بستان { يُحْبَرُونَ } قال ابن عبّاس: يكرمون. مجاهد وقتادة: ينعمون. أبو عبيدة: يسرّون، ومنه قيل: كلّ حبرة تتبعها عبرة. وقال العجاج:

فالحمدُ لله الذي أعطى الحبرموالي الحقّ إن المولى شكر

أي السرور. وقال بعضهم: الحبرة في اللغة كلّ نعمة حسنة. والتّحبير: التحسين. ومنه قيل للمداد: حبر لأنّه يُحسّن به الأوراق. والعالم: حِبْر لأنّه متخلّق بأخلاق حسنة، وقال الشاعر: يحبرها الكاتب الحميري. وقيل: يحبرون يلذّذون بالسّماع.
أخبرنا عبدالله بن حامد، عن حامد بن محمد بن عبدالله عن محمد بن يونس، عن روح عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال: السماع في الجنّة.
أخبرني الحسين بن محمد بن عبدالله عن ابن شنبه، عن عمير بن مرداس عن سلمة بن شبيب عن عبد القدّوس بن الحجّاج قال: سمعت الأوزاعي يقول: { فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال: السّماع. وقال: إذا أخذ في السّماع لم يبق في الجنّة شجرة إلاّ وَرّدَت. وبه عن سلمة بن شبيب عن داود بن الجرّاح، العسقلاني قال: سمعت الأوزاعي يقول: ليس أحد ممّن خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل؛ فإذا أخذ في السّماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.
وأخبرنا الحسين بن محمد الدينوري، عن أحمد بن الحسن بن ماجه القزويني، عن الحسن ابن أيّوب، عن عبدالله بن عراد الشيباني قالا: أخبرنا القاسم بن مطيب العجلي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الجنّة مائة درجة، ما بين كلّ درجتين منها كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها سموّاً وأوسطها محلّه، ومنها تنفجر أنهار الجنّة، وعليها يوضع العرش يوم القيامة" .
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إنّي رجل حُبّب إليّ الصّوت، فهل في الجنّه صوت حسن؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إنَّ الله سبحانه ليوحي إلى شجرة في الجنّة أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عَزف البرابط والمزامير، فترفع صوتاً لم يسمع الخلائق مثله قط من تسبيح الرّبّ وتقديسه.
وأخبرني الحسين بن محمد عن هارون، عن محمّد بن هارون العطّار، عن حازم بن يحيى الحلواني، عن الوليد بن عبد الملك، عن مسروح الحرّاني، عن سليمان بن عطاء، عن سلمة بن عبدالله الجهني، عن عمّه، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّر الناس فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي (آخر) القوم أعرابي فجثا لركبتيه وقال: يا رسول الله هل في الجنّة من سماع؟ قال:
"نعم يا إعرابي إنّ في الجنّة لنهراً حافتاه الأبكار من كلّ بيضاء خوصانية، يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها، فذلك أفضل نعيم أهل الجنّة" .
قال: فسألت أبا الدرداء بِمَ يتغنّين؟ قال: بالتسبيح إن شاء الله. قال: والخوصانية: المرهفة الأعلى الضخمة الأسفل. وأخبرني الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد بن علي الهمداني عن علي بن سعيد العسكري قال: أخبرني أبو بدر عبّاد بن الوليد الغُبري، عن محمّد ابن موسى الخراساني عن عبدالله بن عرادة الشيباني، عن القاسم بن مطيب عن مغيرة عن إبراهيم قال: "إنّ في الجنّة لأشجاراً عليها أجراس من فضّة فإذا أراد أهل الجنّة السماع بعث الله عزّ وجلّ ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرّك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الأرض لماتوا طرباً".
وأخبرني الحسين، عن أبي شنبه وعبدالله بن يوسف قالا: قال محمد بن عمران، عن محمد بن منصور، قال: أخبرني يحيى بن أبي الحجّاج، عن عبدالله بن مسلم عن مولى لبني أُميّة يقال له: سليمان، قال: سمعت أبا هريرة يسأل: هل لأهل الجنّة من سماع؟قال: نعم، شجرة أصلها من ذهب وأغصانها فضّة وثمرها اللؤلؤ والزّبرجد والياقوت بعث الله سبحانه وتعالى ريحاً فيحكّ بعضها بعضاً، فما سمع أحد شيئاً أحسن منه.
قوله: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } فصلّوا لله { حِينَ تُمْسُونَ } وهو صلاة العصر والمغرب { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } صلاة الصبح { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً } وهو صلاة العشاء الآخرة. أيّ وسبّحوه عشياً { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر.
أخبرنا عبدالله بن حامد الوزّان عن أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ، عن محمد بن يحيى، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال نافع بن الأزرق لابن عبّاس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }... إلى قوله: { وَحِينَ تُظْهِرُونَ }.
حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال: حدّثني أبو بكر الشرقي قال: حدّثني أبو حاتم الرازي قال: حدّثني أبو صالح كاتب الليث، حدّثني الليث، عن سعيد بن بشير، عن محمد بن عبد الرحمن السلماني، عن أبيه، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلّى الله عليه قال:
"من قال حين يصبح { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }... إلى قوله: { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أدرك ما فاته في يومهِ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته" .
وأخبرني محمد بن القاسم بن أحمد قال: كتب إليّ عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي أنّ زيد بن محمد بن خلف القرشي حدّثهم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمي، عن الماضي بن محمد عن جويبر، عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } هذه الآيات الثلاث من سورة الروم وآخر سورة الصافات دبر كلّ صلاة يصلّيها كُتِبَ له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد تراب الأرض، فإذا مات أُجري له بكلّ حسنة عشر حسنات في قبره" .
وأخبرني عبدالله بن فنجويه، عن ابن شنبه وأحمد بن جعفر بن حمدان والفضل بن الفضل قالوا: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام الزنجاني، عن الحجّاج بن يوسف بن قتيبة بن مسلم، عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }... إلى قوله: { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180]... إلى قوله: { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 182] " .
وأخبرني ابن فنجويه عن عمر بن أحمد بن القاسم عن محمد بن عبد الغفّار عن حبارة بن المغلس عن كثير عن الضحاك قال: من قال: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } إلى آخر الآية كان له من الأجر كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل (عليه السلام).
وأخبرني ابن فنجويه عن ابن شنبه عن علي بن محمد الطيالسي، عن يحيى بن آدم عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد العمي، عن محمد بن واسع، عن كعب قال: من قال حين يصبح: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } إلى آخر الآية، لم يفتهُ خير كان في يومه ولم يدركه شرّ كان فيه، ومن قالها حين يمسي لم يدركه شرّ كان في ليلِهِ ولم يفتهُ خير كان في ليلِهِ، وكان إبراهيم خليل الله صلّى الله عليه يقولها في كلّ يوم وليلة ست مرّات.