التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٣
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٤
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ
٥
إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ
٦
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
٧
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٨
-فاطر

الكشف والبيان

قوله عز وجل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } يعني في أجنحة الملائكة.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدّثنا ابن شاذان قال: حدّثنا جعونة بن محمد قال: حدّثنا صالح بن محمد قال: حدثنا مسلم بن اياس عن عبد الله بن المبارك عن ليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب
"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيل (عليه السلام): أن يتراءى لهُ في صورته، فقال له جبرائيل (عليه السلام). إنك لن تطيق ذلك. قال: إني أُحبُّ أن تفعل.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلّى في ليلة مقمرة، فأتاه جبرائيل (عليه السلام) في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، فلما أفاق وجبرائيل (عليه السلام) مسنده واضعاً إحدى يديه على صدره والأُخرى بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله ما كنت أرى أنّ شيئاً من الخلق هكذا. فقال جبرائيل عليه السلام: فكيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام؟ إنّ له لاثني عشر جناحاً؛ جناح منها بالمشرق وجناح بالمغرب، وإنّ العرش على كاهله وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة الله عز وجل حتى يعود هذا الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرشه إلاّ عظمته"
.
وأخبرني أبو الحسن الساماني قال: أخبرني أبو حامد البلالي عن العباس بن محمد الدوري قال: أخبرني أبو عاصم النبيل عن صالح التاجي عن ابن جريج عن ابن شهاب في قول الله عز وجل: { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } قال: حسن الصورة.
وأخبرني الحسين بن محمد عن أحمد بن جعفر بن حمدان عن عبد الله بن محمد بن سنان عن سلمة بن حبان عن صالح التاجي عن الهيثم القارئ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك؟ جزاك الله خيراً، وقيل: الخطّ الحسن.
أخبرنا ابن فنجويه عن ابن شيبة عن ابن زنجويه عن سلمة عن يحيى بن أحمد الفزار ويحيى ابن أكثم قالا: أخبرنا أبو اليمان عن عاصم بن مهاجر الكلاعي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الخط الحسن يزيد الحق وضحاً" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثني الحسن بن علي بن يزيد الوشاء عن علي بن سهل الرملي قال: أخبرني الوليد بن مسلم عن خليد بن دعلج عن قتادة في قول الله عز وجل: { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } قال: الملاحة في العينين.
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من الزيادة والنقصان.
{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } نعمة، { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا }: لا يستطيع أحد حبسها { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } فيما أمسك { ٱلْحَكِيمُ } فيما أرسل.
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ }. قرأ سفيان بن سلمة وأبو جعفر وحمزة والأعمش والكسائي: { غَيْرُ } بالخفض وهو اختيار أبي عبيد. الياقوت: بالرفع.
وهذه الآية حجة على القدرية؛ لأنه نفى خالقاً غيره وهم يثبتون معه خالقين كثيرين.
{ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } فعزى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }، قراءة العامة بفتح الغين، وهو الشيطان، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يزيد المقري عن محمد بن المصفى عن أبي حياة، قرأ: { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } برفع الغين، وهي قراءة ابن السماك العدوي يدل عليه وماحدثنا.
قال: أخبرناعبد الله بن حامد محمد بن خالد قال: أخبرنا داوُد بن سليمان قال: أخبرنا عبد بن حميد عن يحيى بن عبد الحميد عن ابن المبارك عن عبد الله بن عقبة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } قال: أن يعمل المعصية ويتمنّى العفو.
{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }: فعادوه ولا تطيعوه { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ }: أشياعه وأولياءه { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } ليسوقهم إلى النار، فهذه عداوته ثم بيّن حال موافقيه ومخالفيه فقال عزّ من قائل: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }.
قوله: { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ } أي شُبّة وموّه وحُسّنَ له { سُوۤءُ }: قبح عمله وفعله { فَرَآهُ حَسَناً } زين ذلك الشيطان بالوسواس ونفسه تميله إلى الشبهة وترك النظر في الحجة المؤدية إلى الحق، والله سبحانه وتعالى يخلقه ذلك في قلبه، وجوابه محذوف مجازه: أفمن زين له سُوء عمله كمن لم يزين له سوء عمله ورأى الحق حقاً والباطل باطلاً؟ نظيره قوله:
{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33]، وقوله { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } [الزمر: 9]ونحوها.
وقيل: معناه: أفمن زين له سوء عمله فأضلّه الله كمن هداه؟ دليله قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ }.
وقيل: معناه تحت قوله: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }، فيكون معناه: أفمن زُيّن له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة، أي تتحسف عليه؟ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، مجازه: أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات فإنّ الله يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء،والحسرة: شدة الحزن على ما فات من الأمر.
وقراءة العامة: (تذهَبَ نفسُك): بفتح الباء والهاء وضم السين، وقرأ أبو جعفر بضم التاء وكسر الهاء وفتح السين، ومعنى الآية: لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إذ لم يؤمنوا، نظيره
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [الكهف: 6] [الشعراء: 3].
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.