{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً }: رزقاً { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ }، والزقوم ثمرة شجرة كريهة الطّعم جداً، من قولهم: يزقم هذا الطعام، إذا تناوله على كره ومشقة شديدة.
{ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ }: للكافرين، وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش: إنّ محمداً يخوفنا بالزقوم وإنّ الزقوم بلسان بربر وأفريقية الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته وقال: يا جارية زقّمينا. فأتتهم بالزبد والتمر، فقال: تزقّموا فهذا ما يوعدكم به محمد، فقال الله سبحانه: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ }: قعر النار. قال الحسن: أصلها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
{ طَلْعُهَا } ثمرها، سمّي طلعها لطلوعه { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } قال بعضهم: هم الشياطين بأعيانهم، شبهّه بها لقبحه؛ لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بعاهة القبح قالوا: كأنه شياطين، وإن كانت الشياطين لا تُرى؛ لأن قبح صورتها متصوّر في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيّات، والعرب تُسمي الحية القبيحة الخفيفة الجسم شيطاناً، قال الشاعر:
تلاعب مثنى حضرمّي كأنهتعمج شيطان بذي خروع قفر
وقال الراجز:
عنجرد تحلف حين أحلفكمثل شيطان الحماط أعرف
والأعرف: الذي له عرق، وقيل: هي شجرة قبيحة خشنة مرة منتنة، تنبت في البادية تسميها العرب رؤوس الشياطين.
{ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ }، والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل زيادة عليه، { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً }: خلطاً ومزاجاً، وقال مقاتل: شراباً { مِنْ حَمِيمٍ }: ماء حار شديد الحرارة، { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } ثم بمعنى قبل، مجازه: وقبل ذلك مرجعهم لإلى الجحيم، كقول الشاعر:
إنّ من ساد ثم ساد أبوهثم قد ساد قبل ذلك جده
أي قبل ذلك ساد أبوه، ويجوز أن تكون بمعنى الواو.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو علي المقري قال: حدّثني علي بن الحسن بن سعد الهمداني قال: حدّثنا عباس بن يزيد بن أبي حبيب قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان عن ميسرة عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه قرأ (ثم إنّ مقتلهم لإلى الجحيم).
{ إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ }: وجدوا { آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ * فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } يسرعون.
{ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ }: مرسلين { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ * إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ }، نظيره: { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ } [الأنبياء: 76]، وهو قوله: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [القمر: 10].
{ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } على التعظيم، { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ }، وهو الغرق، { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِين }،
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدّثنا بندار قال: حدّثنا محمد بن خالد بن غيمة قال: حدّثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِين } قال: "سام وحام ويافث" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال: حدّثنا أبو عبد الله المخزومي قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: كان وُلْد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب وفارس وروم، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب، ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرحى قال: حدّثنا الحسن بن علوية قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلاّ ولده ونساءهم، فذلك قوله: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِين }.
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ }، أي لقينا له ثناء حسناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأُمم.