التفاسير

< >
عرض

يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ
٢٩
وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ
٣٠
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ
٣١
وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ
٣٢
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٣٣
وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ
٣٤
ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ
٣٥
وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ
٣٦
أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ
٣٧
-غافر

الكشف والبيان

{ يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ } غالبين مستعلين على بني إسرائيل { فِي ٱلأَرْضِ } أرض مصر { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ } عذاب الله { إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ } من الرأي والنصيحة { إِلاَّ مَآ أَرَىٰ } لنفسي.
وقال الضحاك: ما أعلمكم إلاّ ما أعلم نظيره
{ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [النساء: 105]. { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ * وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } مثل ما أصابهم من العذاب { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ * وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ }.
قرأه العامة: بتخفيف الدال، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة، إلاّ أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، إلاّ أن فلان بن فلان شقى شقاوة لايسعد بعدها أبداً، وينادي الناس بعضهم بعضاً وينادي أصحاب الأعراف، وأهل الجنّة أهل النار، وأهل النار أهل الجنّة، وينادي حين يذبح الموت: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن: (التنادي) بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.
وقرأ ابن عبّاس والضحاك: بتشديد الدال، على معنى يوم التنافر، وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الابل إذا شردت على أربابها.
قال الضحاك: وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هراباً، فلا يأتون قطراً من الاقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } وقوله تعالى:
{ يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ } [الرحمن: 33] { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } [الحاقة: 17].
{ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
وقال مجاهد: يعني فارّين غير معجزين.
{ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ناصر يمنعكم من عذابه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ } بن يعقوب(عليه السلام) { مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي من قبل موسى بالبينات.
قال وهب: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون: هو غيره.
{ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } مشرك { مُّرْتَابٌ } شاك { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً } أي كبر ذلك الجدال مقتاً كقوله:
{ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ } [الصف: 3] و { كَبُرَتْ كَلِمَةً } [الكهف: 5] { عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } يختم الله بالكفر { عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: (قلب) منّوناً.
وقرأ الآخرون: بالإضافة.
[واختاره أبو حاتم وأبو عبيد]، وفي قراءة ابن مسعود: (على قلب كل متكبر جبار).
{ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً } قصراً. والصرح البناء الظاهر الذي لايخفى على الناظر وإن بُعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار.
{ لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَاب * أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ } أي طرقها وأبوابها { فَأَطَّلِعَ }.
قرأه العامة: برفع العين نسقاً على قوله: (أبلغ).
وقرأ حميد الأعرج: بنصب العين.
ومثله روى حفص عن عاصم على جواب (لعلّي) بالفاء.
وأنشد الفراء عن بعض العرب:

على صروف الدهر أو دولاتها يدلننااللمّة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها

بنصب الحاء على جواب حرف التمني.
{ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ } يعني موسى { كَاذِباً } فيما يقول: إن له ربّا غيري أرسله الينا { وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } خسار وضلال. نظيره:
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } [المسد: 1].