{ هَلْ أَتَاكَ } يا محمد { حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } اختلفوا في عددهم فقال ابن عباس ومقاتل: كانوا اثني عشر ملكاً، وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه سبعة، وقال عطاء وجماعة: كانوا ثلاثة: جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر { ٱلْمُكْرَمِينَ } قال ابن عباس: سمّاهم مكرمين؛ لأنهّم كانوا غير مدعوّين.
وأخبرني محمد بن القاسم بن أحمد الفقيه قال: حدّثني عبد الله بن أحمد الشعراني، قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن سعيد الأرعيالي قال: سمعت محمد بن عبدالوهاب يقول: قال لي علي بن غنام: عندي هريسة، ما رأيك فيها؟ قلت: ما أحسن رأيي، قال: امضِ، فدخلت الدار فجعل ينادي يا غلام يا غلام، والغلام غايب، فأدخلني بيتاً فجلست فيه، فما راعني [إلاّ معه] القمقمة والطست وعلى عاتقه المنديل، فقلت: إنّا لله يا أبا الحسن لو علمت أن الأمر عندك هكذا ما دخلت. قال: هوّن عليك، حدّثنا أبو أسامة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله سبحانه: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } قال: خدمته إياهم بنفسه، وقال عبدالعزيز بن يحيى الكناني: كانوا مكرمين عند الله، نظيره في سورة الأنبياء { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }.
قال أبو بكر الوراق وابن عطاء: سمّاهم مكرمين، لأنّ أضياف الكرام مكرمون، وكان إبراهيم عليه السلام أكرم الخليقة وأطهرهم فتوة.
{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ } أي أنتم قوم { مُّنكَرُونَ } غرباء لا نعرفكم، وقيل: إنّما أنكر أمرهم، لأنّهم دخلوا عليه من غير استئذان، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
{ فَرَاغَ } فعدل ومال إبراهيم { إِلَىٰ أَهْلِهِ } قال الفرّاء: لا ينطق بالروغ حتى يكون صاحبه محتفياً لذهابه ومجيئه { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم البقر { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ * فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } أي صيحة، ولم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان وإنّما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى أخذ في شتمي.
{ فَصَكَّتْ } قال ابن عباس: لطمت { وَجْهَهَا } وقال الآخرون: ضربت يدها على جبهتها تعجباً، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً أو تعجبن منه، وأصل الصكّ الضرب { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } مجازه: أتلد عجوز عقيم؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك وكان بين البشارة والولادة سنة، فولدت له سارة وهي بنت سبع وتسعين، وإبراهيم ابن مائة سنة.
{ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } حدّثنا أبو بكر بن عبدوس إملاءً قال: أخبرنا أبو سهل القطان ببغداد، قال: حدّثنا يحيى بن جعفر، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف، قال: حدّثنا يوسف بن يعقوب، قال حدّثنا نصر بن علي، قال: أخبرنا نوح بن قيس، قال: حدّثنا عون بن أبي شداد أنّ ضيف إبراهيم المكرمين لمّا دخلوا عليه فقرّب إليهم العجل فسحه جبريل عليه السلام بجناحه، فقام العجل يدرج في الدار حتى لحق بأُمّه.
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } قال الكلبي من سنك، وكل بيانه قوله سبحانه { { سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } [هود: 82، الحجر: 74، الفيل: 4].
{ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.
{ وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } عبرة { لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }.
{ وَفِي مُوسَىٰ } أي وتركنا في إرسال موسى أيضاً عبرة وقال الفرّاء: هو معطوف على قوله: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ ... وَفِي مُوسَىٰ } { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }.
{ فَتَوَلَّىٰ } فأعرض وأدبر عن الإيمان { بِرُكْنِهِ } بقوته وقومه، نظيره { { أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [هود: 80] يعني المنعة والعشيرة، وقال المؤرخ: بجانبه { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } قال أبو عبيدة: (أو) بمعنى (الواو)؛ لأنهم قد قالوهما جميعاً، وأنشد بيت جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحاًعدلت بهم طهيّة والخشابا
وقد يوضع (أو) بمعنى (الواو) كقوله: { { آثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان: 24] و (الواو) بمعنى (أو) كقوله سبحانه: { { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [النساء: 3].
{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } قد أتى بما يلام عليه.
{ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } وهي التي لا تلقّح شجراً ولا تنشئ سحاباً ولا رحمة فيها (ولا) بركة.
{ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } كالنبت الذي قد يبس وديس.
قال ابن عباس كالشيء الهالك. مقاتل: كالبالي. مجاهد: كالتبن اليابس. قتادة: كرميم الشجر. أبو العالية: كالتراب المدقوق. [قال] يمان: ما رمته الماشية بمرمتها من [الكلأ]، ويقال للنسفة: المرمة والمقمة، وقيل: أصله من العظم البالي.
{ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } يعني وقت فناء آجالهم.
{ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } قال الحسين بن واقد: كلّ صاعقة في القرآن فهي عذاب { وَهُمْ يَنظُرُونَ } إليها نهاراً.
{ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ } فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض به ولا دفاع { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } منتقمين منّا.
قال قتادة: وما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله.