التفاسير

< >
عرض

وَٱلطُّورِ
١
وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ
٢
فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ
٣
وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ
٤
وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ
٥
وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ
٦
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ
٧
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
٨
-الطور

الكشف والبيان

{ وَٱلطُّورِ } كل جبل طور، لكنّه سبحانه عنى بالطور هاهنا الجبل الذي كلّم عليه موسى بالأرض المقدّسة، وهي بمدين واسمه زبير، وقال مقاتل بن حيان: هما طوران يقال لأحدهما: طور تينا، وللآخر طور زيتونا؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون.
{ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } مكتوب.
{ فِي رَقٍّ } جلد { مَّنْشُورٍٍ } وهو الصحيفة، واختلفوا في هذا الكتاب ما هو؟ فقال الكلبي: هو كتاب الله سبحانه بيد موسى عليه السلام من التوراة، وموسى يسمع صرير القلم، وكان كلّما مرّ القلم بمكان خرقه إلى الجانب الآخر، فكان كتاباً له وجهان، وقيل: اللوح المحفوظ (وهو) دواوين الحفظة، تخرج إليهم يوم القيامة منشورة؛ فآخذٌ بيمينه وآخذٌ بشماله، دليله ونظيره قوله سبحانه:
{ { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13] وقوله سبحانه: { { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } [التكوير: 10]، وقيل: هو ما كتب الله تعالى في قلوب أوليائه من الإيمان، بيانه: اولئك كتب في قلوبهم الإيمان، وقيل: هو ما كتب الله تعالى للخلق من السابقة والعاقبة.
{ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } بكثرة الحاشية والأهل، وهو بيت في السماء السابعة، حذاء العرش، حيال الكعبة، يقال له: الضراح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة، يطوفون به ويصلون فيه، ثم لا يعودون إليه أبداً، وخازنه ملك يقال له: [الجن].
وقيل: كان البيت المعمور من الجنّة، حُمل إلى الأرض لأجل آدم عليه السلام، ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان.
أخبرنا الحسين بن محمد، قال: حدّثنا هارون بن محمد بن هارون، قال: حدّثنا إبراهيم ابن الحسين بن دربل، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثني سفيان بن نسيط عن أبي محمد عن الزبير عن عائشة أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قدم مكة فأرادت عائشة أن تدخل البيت يعني ليلا فقال لها بنو شيبة: أنّ أحداً لا يدخله ليلا ولكنا نخليه لك نهاراً، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه أنّهم منعوها أن تدخل البيت، فقال:
"إنّه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا، إن هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الذي في السماء، يدخل ذاك المعمور سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبداً الى يوم القيامة، لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة، ولكن انطلقي أنتِ وصواحبك فصلّين في الحجر"
ففعلت فأصبحت وهي تقول: قد دخلت البيت على رغم من رغم.
وأخبرنا الحسين بن محمد، قال: حدّثنا هارون بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن عبدالعزيز، قال: حدّثنا كثير بن يحيى بن كثير، قال: حدّثنا أبي عن عمر وعن الحسن في قوله سبحانه: { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } قال: هو الكعبة البيت الحرام الذي هو معمور من الناس، يعمره الله كلّ سنة، أوّل مسجد وضع للعبادة في الأرض.
{ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } يعني السماء، سمّاها سقفاً؛ لأنها للأرض كالسقف للبيت، دليله ونظيره قوله سبحانه: { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً }.
{ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } قال مجاهد والضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والأخفش: يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور، ومنه قيل للمسعر مسجر، ودليل هذا التأويل ما روي أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال
"لا يركبنّ البحر إلاّ حاجّ أو معتمر أو مجاهد في سبيل الله، فإنّ تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً، وتحت البحر ناراً" .
وقال صلى الله عليه وسلم "البحر نار في نار" ، وروى سعيد بن المسيب أنّ علياً كرم الله وجهه قال لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر. فقال: ما أراه إلاّ صادقاً ثم قرأ { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } { { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [التكوير: 6] مخفّفة.
وتفسير هذه الأخبار ما روي في الحديث:
"إنّ الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار كلّها ناراً فيسجر بها نار جهنم" .
وقال قتادة: المسجور: المملوء. ابن كيسان: المجموع ماؤه بعضه إلى بعض، ومنه قول لبيد:

فتوسّطا عرض السرى وصدّعامسجورة متجاور أقلامها

وقال النمر بن تولب:

إذا شاء طالع مسجورةترى حولها النبع والسماسما

وقال أبو العالية: هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، وفي رواية عطية وذي الرمّة الشاعر: أخبرنيه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الدينوري. قال: حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الاشعث، قال: حدّثنا السدوسي أبو جعفر، قال: حدّثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمّة عن ابن عباس { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } الفارغ. قال: خرجت أَمة تسقي فرجعت فقالت: إنّ الحوض مسجور. تعني فارغاً.
قال ابن أبي داود: ليس لذي الرمّة حديث غير هذا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المسجور: المحبوس، وقال الربيع بن أنس: المختلط العذب بالملح.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا مخلد بن جعفر، قال: حدّثنا الحسن بن علوية، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى، قال: حدّثنا إسحاق بن بسر، قال: أخبرني جويبر عن الضحاك، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك عن النزال بن سبرة، عن علي بن أبي طالب أنّه قال في البحر المسجور:
"هو بحر تحت العرش، غمره كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، وهو ماء غليظ يقال له: بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة الأُولى أربعين صباحاً فينبتون من قبورهم" .
{ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } نازل { مَّا لَهُ مِن دَافِع } مانع.
قال جبير بن مطعم: قدمت المدينة لأكلم رسول الله في أسارى بدر [فذهبت] إليه وهو يصلّي بأصحابه المغرب، وصوته يخرج من المسجد، فسمعته يقرأ { وَٱلطُّورِ } الى قوله: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع } فكأنما صدع قلبي، وكان أوّل ما دخل قلبي الإسلام، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب، وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.
وأخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: أخبرت عن [محمد] بن الحرث المكي، عن عبد الله بن رجاء المكي، عن هشام بن حسان، قال: انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ، فلمّا بلغ هذه الآية { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع } بكى الحسن وبكى أصحابه، وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه.