التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ
١
وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
٢
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ
٣
وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ
٤
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ
٥
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ
٦
خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ
٧
مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
٨
-القمر

الكشف والبيان

{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } دنت القيامة { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قال ابن كيسان: في الآية تقديم وتأخير، مجازها: انشقّ القمر واقتربت الساعة، يدل عليه قراءة حذيفة (اقتربت الساعة وقد انشق القمر)، وروى عثمان بن عطاء عن أبيه أن معناه: (وسينشقّ القمر)، والعلماء على خلافه والأخبار الصحاح ناطقة بأن هذه الآية قد مضت.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي، قال: حدّثنا أبو الازهر قال: حدّثنا روح عن شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت إبراهيم يحدث عن أبي معمر عن عبد الله
"أن القمر انشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فكانت إحداهما فوق الجبل والأُخرى أسفل من الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اشهد، وقال أيضاً: اشهدوا" .
وأخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك القاضي قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حصين عن الأعمش وعبدة الضبي عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت فِلقَتَيه. وأخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا مكي، قال: حدّثنا أبو الأزهر قال: حدّثنا روح عن شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر نحو حديث ابن مسعود.
وأخبرنا عبد الله قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن زيد الصيرفي قال: حدّثنا علي بن حرب، قال: حدّثنا ابن فضيل، قال: حدّثنا حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: انشقّ القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة.
وأخبرنا عبد الله قال: أخبر عمر بن الحسن الشيباني قال: حدّثنا أحمد بن الحسن قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حصين عن سعد عن عكرمة عن ابن عباس والحكم عن مجاهد عن ابن عباس ومقسم عن ابن عباس قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنين: شطره على السويداء، وشطره على الجندمة.
وأخبرني عقيل بن محمد أن أبا الفرج القاضي حدّثهم عن محمد بن جرير قال: حدّثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدّثنا بشر بن المفضل. قال: حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا الجبل بينهما.
وبه عن محمد بن جرير قال: حدّثنا علي بن سهل قال: حدّثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين.
وبه عن محمد بن جرير قال: حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا عطاء بن السايب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنّا منها على فرسخ، فجاءت الجمعة فحضر أبي فحضرنا معه فخطبنا حذيفة، فقال: ألا إنّ الله سبحانه يقول: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }، ألا فإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق، . ألا وإنّ اليوم المضمار وغداً السباق، فقلت لأبي أيستبق الناس غداً؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنّما هو السباق بالأعمال، ثم جاءت الجمعة الأُخرى فحضرنا فخطب حذيفة فقال: ألا إنّ الله يقول: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } ألا وإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق، ألا وإنّ المضمار اليوم وغداً السباق، ألا وإنّ الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة.
وبه عن ابن جرير قال: حدّثنا الحسن بن أبي يحيى المقدسي قال: حدّثنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبدالله قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فسألوا السفار فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأينا. فأنزل الله سبحانه { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }.
{ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم: مرّ الشيء واستمر إذا ذهب، ونظيره: قرّ واستقر، هذا قول مجاهد وقتادة والفرّاء والكسائي.
وقال أبو العالية والضحاك: محكم شديد قوي. سيان عن قتادة: غالب، وهو من قولهم: مرّ الحبل إذا صلب واشتد وقوي، وامررته أنا إذا أحكمتُ فتله. ربيع: نافذ. يمان: ماض. أبو عبيدة: باطل، وقيل: يشبه بعضه بعضاً.
{ وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } يقول: وكل أمر من خير أو شر مستقر قراره، ومتناه نهايته، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار.
قال قتادة: وكل أمر مستقر: أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر، وقال مقاتل: لكل امرئ منتهى، وقيل: لكل أمر حقيقته، وقال الحسن بن الفضل: يعني يستقر قرار تكذيبهم وقرار تصديق المؤمنين حتى يعرفوا حقيقته في الثواب والعقاب، وقيل: مجازه: كلّ ما قدّر كائن واقع لا محالة، وقيل: لكل أمر من أُموري التي أمضيتها في خلقي مستقر قراره لا يزول، وحكى أبو حاتم عن شيبة ونافع مستقرّ بفتح القاف، وذكر الفضل بن شاذان عن أبي جعفر بكسر الراء، ولا وجه لهما.
قال مقاتل: انشقّ القمر ثم التأم بعد ذلك.
{ وَلَقَدْ جَآءَهُم } يعني أهل مكة { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } متناهى. قاله مجاهد. سفيان: منتهى، وهو مفتعل من الزجر، وأصله مزتجر. فقلبت التاء دالا.
{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } تامة ليس فيها نقصان وهي القرآن { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } إذا كذّبوهم وخالفوهم.
{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } نسختها آية القتال { يَوْمَ } الى يوم { يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } منكر فظيع عظيم وهو النار، وقيل: القيامة، وخفّف الحسن وابن كثير كافه. غيرهما مثقّل، وقرأ مجاهد (نُكِر) على الفعل المجهول أي أُنكر.
{ خُشَّعاً } ذليلة { أَبْصَارُهُمْ } وهو نصب على الحال مجازه { خُشَّعاً }، وقرأ ابن عباس ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف (خاشعاً) بالألف على الواحد، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتباراً بقراءة عبد الله وأبي رجاء خاشعة أبصارهم، وقرأ الباقون (خشّعاً) بلا ألف على الجمع.
قال الفرّاء وأبو عبيدة: إذا تأخرت الأسماء عن فعلها فلك فيه التوحيد والجمع والتأنيث والتذكير تقول من ذلك: مررت برجال حسن وجوههم، وحسنة وجوههم وحسان وجوههم. قال الشاعر:

وشباب حسن أوجههممن إياد بن نزار بن معد

فمن وحّد فلأنّه في معنى الجمع، ومن جمع فلأنّه صفات، والصفات اسماء، ومن أنّث فلتأنيث الجماعة، وقال الآخر:

يرمي الفجاج بها الركبان معترضاًأعناق بزلها مزجىً لها الجدل

قال الفرّاء: لو قال: معترضة أو معترضات أو مزجاة أو مزجيات كان كل ذلك جائزاً.
{ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } القبور { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } حيارى، وذكر المنتشر على لفظ الجراد، نظيره
{ { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [القارعة: 4] .
{ مُّهْطِعِينَ } مسرعين منقلبين عامدين { إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }.