التفاسير

< >
عرض

فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ
٣٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٠
يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ
٤١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٢
هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٤٣
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
٤٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٥
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
٤٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٧
ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ
٤٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٩
-الرحمن

الكشف والبيان

{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } قال الحسين وقتادة: لا يسألون عن ذنوبهم، لأن الله سبحانه علمها منهم وحفظها [عليهم]، وكتبت الملائكة عليهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وعنه أيضاً لا يسأل الملائكة [المجرمين]؛ لأنهم يعرفونهم بسيماهم، دليله ما بعده، وإلى هذا القول ذهب مجاهد، وعن ابن عباس أيضاً في قوله سبحانه: { { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92] وقوله: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟، وقال عكرمة أيضاً: مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها، وعن ابن عباس أيضاً: لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وانما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ، وقال أبو العالية: لا يسأل غير المذنب عن ذنب المجرم.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } وهو سواد الوجه وزرقة العيون { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } فيسحبون إلى النار ويقذفون فيها ثم يقال لهم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } المشركون. { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } قد انتهى خبره، وقال قتادة: آني طبخه منذ خلق الله السماوات الأرض، ومعنى الآية أنهم يسعون بين الجحيم وبين الحميم.
قال كعب الأحبار: «آن» (وادي) من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم وهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تخلع أوصالهم، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله سبحانه لهم خلقاً جديداً، فيلقون في النار فذلك قوله سبحانه: { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ }.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } أي مقامه بين يدي ربّه، وقيل: قيامه لربه، بيانه قوله:
{ { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6]، وقيل: قيام ربّه عليه، بيانه قوله: { { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33] قال إبراهيم ومجاهد: هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها من مخافة الله. قال ذو النون: علامة خوف الله أن يؤمنك خوفه من كل خوف، وقال السدّي: شيئان مفقودان الخوف المزعج والشوق المقلق.
{ جَنَّتَانِ } بستانان من الياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، ترابهما الكافور والعنبر وحمأتهما المسك الأذفر، كل بستان منهما مسيرة مائة سنة، في وسط كلّ بستان دار من نور.
قال محمد بن علي الترمذي: جنة بخوفه ربّه، وجنّة بتركه شهوته. قال مقاتل: هما جنّة عدن وجنّة النعيم، وقال أبو موسى الأشعري: جنّتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:
"هل تدرون ما هاتان الجنتان؟، هما بستانان في بساتين، قرارهما ثابت، وفرعهما ثابت، وشجرهما ثابت" .
وأخبرني عقيل إجازة قال: أخبرنا المعافى قراءة قال: أخبرنا محمد بن جرير الطبري قال: حدّثني محمد بن موسى الجرشي قال: حدّثنا عبد الله بن الحرث القرشي قال: حدّثنا شعبة بن الحجاج قال: حدّثنا سعيد الحريري عن محمد بن سعد عن أبي الدرداء قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت: وإن زنى وإن سرق؟، قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء" .
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } قال ابن عباس: ألوان، وواحدها فن وهو من قولهم: افتنّ فلان في حديثه إذا أخذ في فنون منه وضروب، قال الضحاك: ألوان الفواكه. مجاهد: أغصان وواحدها فنن. عكرمة: ظل الأغصان على الحيطان. الحسن: ذواتا ظلال، وهو كقوله: { { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [الواقعة: 30]. [قال] الضحاك أيضاً: ذواتا أغصان وفصول. قال: وغصونها كالمعروشات تمسّ بعضها بعضاً، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. [قال] قتادة: ذواتا فضل وسعة على ما سواهما. [قال] ابن كيسان: ذواتا أصول.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } قال ابن عباس: بالكرامة والزيادة على أهل الجنة، وقال الحسن: تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم والأُخرى السلسبيل.
عطية: إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين، وقيل: إنهما تجريان من جبل من مسك، وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق: فيهما عينان تجريان لمن كانت له في الدنيا عينان تجريان بالبكاء.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } صنفان.
قال ابن عباس: ما في الدنيا ثمرة حلوة أو مرّة إلاّ وهي في الجنة حتى الحنظل إلاّ أنه حلو.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ } حال { عَلَى فُرُشٍ } جمع فراش { بَطَآئِنُهَا } جمع بطانة { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وهو ما غلظ من الديباج وحسن، وقيل: هو أَستبر معرب.
قال ابن مسعود وأبو هريرة: هذه البطائن فما ظنّكم بالظهائر؟، وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من استبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله سبحانه:
{ { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17].
وعنه أيضاً قال: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد، وقال الفرّاء: أراد بالبطائن الظواهر.
قال المؤرخ: هو بلغة القبط، وقد تكون البطانة ظهارة والظهارة بطانة؛ لأن كل واحد منهما يكون وجهاً، تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء للذي يراه، وقال عبد الله ابن الزبير في قتلة عثمان: قتلهم الله شرّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب، يعني هربوا ليلا، فجعل ظهور الكواكب بطوناً.
قال القتيبي: هذا من عجيب التفسير، وكيف تكون البطانة ظهارة، والظهارة بطانة؟ والبطانة من بطن من الثوب، وكان من شأن الناس إخفاؤه، والظهارة ما ظهر منه، ومن شأن الناس إبداؤه، وهل يجوز لأحد ان يقول لوجه المصلي: هذا بطانته، ولما ولي الأرض: هذا ظهارته، لا والله لا يجوز هذا، وانما أراد الله سبحانه وتعالى ان يعرّفنا لطفه من حيث يعلم فضل هذه الفرش، وأن ما ولي الأرض منها إستبرق، وإذا كانت البطانة كذلك فالظهارة أعلى وأشرف، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
"لَمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه الحلّة" . فذكر المناديل دون غيرها؛ لأنها أحسن ويصدّق قول القتيبي ما حكيناه عن ابن مسعود وأبي هريرة، والله أعلم.
{ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ } ثمرهما { دَانٍ } قريب يناله القائم والقاعد والنائم { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } غاضات الأعين، قد قصر طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن الى غيرهم ولا يردن غيرهم، قال ابن زيد: تقول لزوجها: وعزّة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك. { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } لم يجامعهنّ ولم يفترعهنّ، وأصله من الدم، ومنه قيل للحائض: طامث، كأنه قال لم يُدمِهن بالجماع. { إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } . قال مجاهد: إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجانّ على إحليله فجامع معه فذلك قوله سبحانه: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } أي لم يجامعهن، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم
"إذا امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنة" وقال الشاعر:

دفعن اليّ لم يُطمثن قبليوهن أصح من بيض النعام

قال سهل: من أمسك طرفه في الدنيا عن اللذات عُوّض في الآخرة القاصرات، وقال ارطأة بن المنذر سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن من ثواب؟ قال: نعم، وقرأ هذه الآية، قال: فالإنسيّات للإنس والجنيّات للجنّ.
{ كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } قال قتادة: صفاء الياقوت في بياض المرجان.
أخبرنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا هارون بن محمد بن هارون قال: حدّثنا حازم بن يحيى الحلواني قال: حدّثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدّثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن المرأة من أهل الجنّة ليُرى بياض ساقها من سبعين حلّة حتى يرى مخّها، إن الله سبحانه وتعالى يقول: { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته من ورائه" .
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلّة فيرى مخّ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ }، (هل) في كلام العرب على أربعة أوجه:
الأول: بمعنى (قد) كقوله:
{ { هَلْ أَتَىٰ } [الدهر: 1] و { { هَلْ أَتَاكَ } [الغاشية: 1] .
والثاني: بمعنى الاستفهام، كقوله سبحانه: { { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [الأعراف: 44].
والثالث: بمعنى الأمر، كقوله سبحانه:
{ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91].
والرابع: بمعنى (ما) الجحد، كقوله سبحانه:
{ { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } [النحل: 35]، و { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ }.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة وابن حمدان والفضل بن الفضل والحسن بن علي ابن الفضل قالوا: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام قال: حدّثنا الحجاج بن يوسف المكتب قال: حدّثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } قال:
"هل تدرون ما قال ربكم عزّوجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنّة" .
وحدّثنا أبو العباس بن سهل بن محمد بن سعيد المروزي لفظاً بها قال: حدّثنا جدي أبو الحسن محمد بن محمود بن عبيد اللّه، قال: أخبرنا عبد اللّه بن محمود، قال: حدّثنا محّمد بن مبشر، قال: حدثنا إسحاق بن زياد الأبلي قال: حدّثنا بشر بن عبد اللّه الدارمي، عن بشر بن عبادة عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: سمعت ابن عمر وابن عباس يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } يقول الله سبحانه: هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلاّ أن أُسكنه جنّتي وحظيرة قدسي برحمتي" .
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبدالملك بن محمد بن عدي قال: حدّثنا صالح بن شعيب الخواص ببيت المقدس قال: حدّثنا عبيدة بن بكار قال: حدّثنا محمد بن جابر اليمامي عن ابن المكندر { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالاسلام إلاّ الجنّة، وقال ابن عباس: هل جزاء من عمل في الدنيا حسناً، وقال: لا إله إلاّ الله، إلاّ الجنّة في الآخرة، هل جزاء الذين أطاعوني في الدنيا إلاّ الكرامة في الآخرة، وقال الصادق: "هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلاّ حفظ الإحسان عليه إلى الأبد"، وقال محمد ابن الحنفية والحسن: هي مسجلة للبر والفاجر [للفاجر] في دنياه وللبرّ في آخرته.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِن دُونِهِمَا } يعني: ومن دون الجنتين الأُولتين { جَنَّتَانِ } أُخريان، واختلف العلماء في معنى قوله { وَمِن دُونِهِمَا }، فقال ابن عباس: ومن دونهما في الدرج، وقال ابن زيد: ومن دونهما في الفضل، قال ابن زيد: هي أربع: جنتان للمقرّبين السابقين فيهما من كلّ فاكهة زوجان، وجنّتان لأصحاب اليمين والتابعين، فيهما فاكهة ونخل ورمان، وقال أبو معاذ الفضل بن يحيى: أراد غيرهما؛ لأنهما دون الأُوليين، وقال الكسائي: يعني أمامهما وقبلهما، كقول الشاعر:

رب خرق من دونها يخرس السفروميل يفضي إلى أميال

أي قبل الفلاة الأُولى، ودليل هذا التأويل قول الضحاك: الجنتان الأُوليان من ذهب وفضة، والأُخريان من ياقوت وزمرد، وهما أفضل من الأُوليين.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَآمَّتَانِ } ناعمتان سوداوان من ريّهما وشدّة خضرتهما؛ لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، قال ذو الرمّة:

كسا الأكم بهمي غضة حبشيةتواماً ونقعان الظهور الأقارع

فجعلها حبشية لما اشتدّت خضرتها، وقيل ملتقيان.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } ممتلئتان قبّاضتان فوّارتان بالماء لا ينقطعان، وقال الحسن بن أبي مسلمد ينبعان ثم يجريان، وقال ابن عباس: تنضحان بالخير والبركة على أهل الجنة، (وقال) ابن مسعود: تنضخان على أولياء الله بالمسك والكافور. سعيد ابن جبير: نضاختان بالماء وألوان الفواكه. أنس بن مالك: تنضخ المسك والعنبر في دور أهل الجنة كما ينضخ طش المطر، وأصل النضخ الرش، وهو أكثر من النضخ.
{ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.