التفاسير

< >
عرض

ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
-الواقعة

الكشف والبيان

{ ثُلَّةٌ } جماعة { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي الأمم الماضية { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } مرمولة منسوجة مشبكة بالذهب والجواهر، قد إتّصل بعضها في بعض، كما توضن حلق الدرع [.......] بعضها في بعض مضاعفة.
ومنه قول الأعشى:

ومن نسج داود موضونةتساق مع الحيّ عيراً فعيرا

وقال أيضاً:

وبيضاء كالنهي موضونة لهاقونس فوق جيب البدن

ومنه وضين الناقة وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفاً كحلق الدرع.
قال الكلبي: طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت فإذا جلس عليها إرتفعت.
وقال الضحاك: موضونة مصفوفة، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. يقال: آجر موضون إذا صفَّ بعضها على بعض.
{ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } في الزيارة لا ينظر بعضهم في قفا بعض { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } للخدمة { وِلْدَانٌ } غلمان { مُّخَلَّدُونَ } أي لا يموتون عن مجاهد، وقال الكلبي: لا يهرمون ولا يكبرون ولا ينقصون ولا يتغيرون، وليس كخدم الدنيا يتغيرون من حال إلى حال.
ابن كيسان: يعني [ولداناً مخلدين] لا يتحولون من حالة إلى حالة، عكرمة: منعمون. سعيد بن جبير: مقرّطون.
قال المؤرّخ: ويقال للقرط الخلد.
قال الشاعر:

ومخلدات باللجين كأنماأعجازهن أفاوز الكثبان

وقال علي والحسن: "هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها، لأن الجنة لا ولادة فيها ".
وفي الحديث:
"أطفال الكفار خدم أهل الجنة" .
{ بِأَكْوَابٍ } جمع كوب { وَأَبَارِيقَ } جمع إبريق، سمي بذلك لبريق لونه { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } خمر جارية { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } لا تصدّع رؤوسهم عن شربها { وَلاَ يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } يختارون ويشتهون.
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حبش، حدّثنا ذكّار، حدّثنا هناد، حدّثنا أبو معونة عن عبيد الله بن الوليد عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إن في الجنة لطيراً فيه سبعون ألف ريشة، فيجيء فيقع على صحيفة الرجل من أهل الجنة ثم ينتفض، فيخرج من كل ريشة لون أبيض من الثلج والبرد وألين من الزبد وأعذب من الشهد ليس فيه لون يشبه صاحبه ثم يطير فيذهب" .
{ وَحُورٌ عِينٌ } قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي والمفضل بكسر الواو والنون أي وبحور عين، أتبعوا الآخر الأول في الإعراب على اللفظ وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهنَّ، كقول الشاعر:

إذا ما الغانيات برزن يوماًوزججن الحواجب والعيونا

والعين لا تزجج وإنما تكحل.
وقال الآخر: متقلداً سيفاً ورمحاً،ومثله كثير.
وقرأ إبراهيم النخعي واشهب العقيلي: (وحوراً عيناً) بالنصب، وكذلك هو في مصحف أُبيّ، على معنى: ويزوّجون حوراً عيناً. وقال الأخفش: رفع بخبر الصفة، أي لهم حور عين.
وقيل: هو ابتداء وخبره فيما بعده.
أخبرنا الحسين، حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن بشير ابن يوسف بن النضر، حدّثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدّثنا عمرو بن هاشم، حدّثنا سليمان بن أبي كرعة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أُم سلمة قالت: قلت:
" يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّوجل { وَحُورٌ عِينٌ }؟ قال: حور بيض عين ضخام العيون" .
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن صقلاب، حدّثنا أبو بكر بن أبي الخصيب حدّثني محمد بن غالب حدّثنا الحرث بن خليفة، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلق الحور العين من الزعفران" .
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن يودة، حدّثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزاز، حدّثنا سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل، حدّثنا خالد بن يزيد، عن أبي مالك، عن أبيه عن خالد بن معدان، عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد يدخل الجنة إلاّ وهو يزوّج ثنتين وسبعين زوجة، ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار، وليس منهن امرأة إلاّ ولها قُبل شهيّ وله ذكر لا ينثني" .
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا أحمد بن محمد بن علي، حدّثنا عثمان بن نصر البغدادي، حدّثنا محمد بن مهاجر أبو حنيف، حدّثنا حلبس بن محمد الكلابي، حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور أو المغيرة، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يسطع نور في الجنة فقالوا: ما هذا؟ قالوا: ضوء ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها" .
وروي أن الحوراء إن مشت سُمع تقديس الخلاخيل من ساقيها وتمجيد الأسورة من ساعديها، وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ تصرّان بالتسبيح.
وكان يحيى بن معاذ الرازي يقول: اخطب زوجة (لا تسلبها) منك المنايا، وأعرس بها في دار لا يخربها دوران البلايا وشبّك لها حجله لا تحرقها نيران الرزايا.
وقال مجاهد: سميت حوراً لأنه يحار فيهن الطرف.
{ كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } المخزون في الصدف الذي لم تمسّه الأيدي { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } في نصبهما وجهان:
أحدهما: إتباع للقيل.
والثاني: على (يسمعون سلاماً)، ثم رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة فقال { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } لا شوك فيه، كأنه خضّد شوكها أي قطع ونزع.
ومنه الحديث في المدينة: "لا يخضد شوكها ولا يعصر شجرها" وهذا قول ابن عباس وعكرمة وقسامة بن زهير.
وقال الحسن: لا تعقر الأيدي. قتادة: هو الذي لا يرد اليد منها شوك ولا بعد.
وقال الضحّاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: هو الموقر حملا.
قال سعيد بن جبير: ثمرها أعظم من الفلال. وقال ابن كيسان: هو الذي لا أذى فيه.
قال: وليس شيء من ثمر الجنة في غلف كما تكون في الدنيا من الباقلاء وغيره، بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه.
قال أبو العالية والضحّاك: نظر المسلمون إلى وجَّ وهو واد مخصب بالطائف، وأعجبهم سدرها.
وقالوا: يا ليت لنا مثل هذا، فأنزل الله عزّوجل { وَطَلْحٍ } وموز واحدتها طلحة، عن أكثر المفسرين.
وقال الحسن: ليس هو موزاً ولكنه شجر له ظلّ بارد طيب.
وقال الفراء وأبو عبيدة: الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك.
قال بعض الحداة:

بشرها دليلها وقالاغداً ترين الطلح والجبالا

وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حيان، حدّثنا ابن مروان، حدّثنا أُبي، حدّثنا إبراهيم بن عيسى، حدّثنا علي بن علي قال: زعم أبو حمزة الثمالي عن الحسن مولى الحسن بن علي أن علياً قرأ: وطلعٌ منضود.
وأنبأني عقيل، أنبأنا المعافي محمد بن جرير، حدّثنا سعيد بن يحيى، حدّثنا أُبي، حدّثنا مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن سعد قال: قرأ رجل عند علي رضي الله عنه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } فقال علي: "وما شأن الطلح؟ إنما هو طلع منضود" ثم قرأ "طلع منضود".
فقلت: إنها في المصحف بالحاء فلا تحوّلها؟ فقال: "إن القرآن لا يهاج [اليوم] ولا يحوّل".
والمنضود: المتراكم الذي قد نُضد بأكمله من أوله إلى آخره، ليست له سوق بارزة.
قال مسروق: أشجار الجنة من عروقها إلى أغصانها ثمر كله.