التفاسير

< >
عرض

إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ
٢
خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
٣
إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
-الواقعة

الكشف والبيان

{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي إذا نزلت صبيحة القيامة وتلك النفخة الأخيرة { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } تكذيب ذكره سيبوبه، وهو إسم كالعافية والنازلة والعاقبة، عن الفراء. قال الكسائي: هي بمعنى الكذب كقوله { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [الغاشية: 11] أي لغواً، ومنه قول العامة: عائذ بالله أي معاذ الله، وقم قائماً أي قياماً.
ولبعض نساء العرب ترقص إبنها:

قم قائماً قم قائماًأصبت عبداً نائماً

{ خَافِضَةٌ } أي هي خافضة { رَّافِعَةٌ } تخفض قوماً إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة.
وقال عكرمة والسدي ومقاتل: خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفعت الصوت فأسمعت من نأى يعني أنها أسمعت القريب والبعيد، ورفعت قوماً كانوا مذللين فرفعتهم إلى أعلى عليين ووضعت قوماً كانوا في الدنيا مرتفعين فوضعتهم إلى أسفل سافلين.
بن عطاء: خفضت قوماً بالعدل ورفعت قوماً بالفضل.
{ إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي رجفت وزلزلت وحُركت تحريكاً من قولهم: السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى يهتز ويضطرب.
قال الكلبي: وذلك أن الله عزّوجل إذا أوحى إليها إضطربت فرقاً.
وقال المفسرون: ترجّ كما يُرّج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها.
وأصل الرجّ في اللغة التحريك يقال: رججته فإرتجّ [فارتضى عنقه] ورجرجته فترجرج.
{ وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي حثّت حثّاً وفتت فتاً فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول والبسبسة عند العرب الدقيق أو السويق يُلتّ ويتخذ زاداً.
وذكر عن لصَ من غطفان أنه أراد أن يخبز فخاف أن يعجّل عن الخبز فقال لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّاً ولا تطيلا بمناخ حبساً.
وقال عطاء: أُذهبت إذهاباً قال سعيد بن المسيب والسدي: كسرت كسراً.
الكلبي: سيّرت عن وجه الأرض تسييراً. مجاهد: لتّت لتّاً.
الحسن: قلعت من أصلها فذهبت بعدما كانت صخراً صماء: نظيرها
{ { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [طه: 105].
عطية: بسطت بسطاً كالرمل والتراب.
ابن كيسان: جُعلت كثيباً مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة.
{ فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } قال ابن عباس: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.
علي رضي الله عنه: رهج الدوابّ.
عطية: ما تطاير من شرر النار، قتادة: حطام الشجر.
وقراءة العامة: { مُّنبَثّاً } بالثاء أي متفرقاً، وقرأ النخعي بالتاء أي منقطعاً.
{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً } أصنافاً { ثَلاَثَةً } ثم بيّن من هُم فقال عز من قائل: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة.
وقال ابن عباس: وهم الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت الذرية من صلبه. وقال الله (إن) هؤلاء في الجنة ولا أبالي.
وقال الضحّاك: هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم.
وقال الحسن والربيع: هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم، وكانت أعمارهم في طاعة الله عزّوجل، وهم التابعون بإحسان.
ثم عجّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } وهذا كما يقال: زيد ما زيدٌ، يراد زيد شديد.
{ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } أي الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى شؤمى.
قال الشاعر:

السهم والشرى في شوءمى يديك لهموفي يمينك ماء المزن والضرب

ومنه الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن شمالها إذا [دخل الحجر] تحت الميزاب.
وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
وقيل: هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية، وقال الله لهم هؤلاء في النار ولا أُبالي.
وقيل: هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم.
وقال الحسن: هم المشائيم على أنفسهم، وكانت أعمارهم في المعاصي.
{ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ * وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } قال ابن سيرين: هم الذين صلوا القبلتين دليله قوله
{ { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } [التوبة: 100].
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حمران، حدّثنا أُبي، حدّثنا محمد بن داود الدينوري، حدّثنا [.....] عن ابن بن الجارود عن عبد الغفور ابن أبي الصباح عن ابن علي، عن كعب في قول الله عزّوجل: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } قال: هم أهل القرآن وهم المتوجون يوم القيامة.
وأخبرني الحسين، حدّثنا موسى بن محمد بن علي، حدّثنا أبو شعيب، حدّثنا عبد الله بن الحسن الحراني، حدّثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدّثنا الأوزاعي قال: سمعت عثمان بن أبي سودة يقول: السابقون أولهم رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله عزّوجل.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا ابن أيوب، حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، حدّثنا سياد بن حاتم، حدّثنا عبد الله بن شميط قال: سمعت أُبي يقول: الناس ثلاثة: فرجل إبتكر الخير في حداثة سنهِ ثم داوم عليه حتى خرج عن الدنيا فهذا السابق المقري، ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثته ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال.
وقال ابن عباس: السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة. وقال علي بن أبي طالب: إلى الصلوات الخمس.
عكرمة: إلى الإسلام. الضحاك: إلى الجهاد. القرظي: إلى كل خير. سعيد بن جبير: هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر. نظيره
{ { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [آل عمران: 133] { { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [الحديد: 21].
ثم أثنى عليهم فقال عزّ من قائل
{ { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون: 61] الربيع عن أنس: السابقون إلى إجابة الرسول في الدنيا، وهم السابقون إلى الجنة في العقبى.
ابن كيسان: السابقون إلى كل ما دعا الله سبحانه وتعالى إليه.
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } إلى الله { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }.
أخبرني الحسين، حدّثنا علي بن إبراهيم بن موسى الموصلي، حدّثنا محمد بن مخلد العطار، محمد بن إسماعيل، حدّثنا وكيع، حدّثنا شعبة ومسعر عن سعد بن أبراهيم عن عروة بن الزبير قال: كان يقال: تقدموا تقدموا.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا إبن أيوب، حدّثنا القطواني، حدّثنا سيار، حدّثنا جعفر حدّثني عوف حدّثني رجل من أهل الكوفة قال: بلغني أنه إذا خرج رجل من السابقين المقربين من مسكنه في الجنة كان له ضوء يعرفه مَن دونه فيقول: هذا ضوء رجل من السابقين المقربين.