التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ
٨٣
وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ
٨٤
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ
٨٥
فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ
٨٦
تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٨٧
فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٨٨
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
٨٩
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ
٩٢
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
٩٣
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
٩٤
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

الكشف والبيان

{ لاَّ يَمَسُّهُ } أي ذلك الكتاب { إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } من الذنوب وهم الملائكة.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أنبأنا ابن الشرقي، حدّثنا محمد بن الحسين بن طرحان، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا أبو الأحوص عن عاصم الأحول عن أنس في قوله عزّوجل { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } قال: الملائكة.
وأخبرنا أبو بكر بن عبدوس، أنبأنا أبو الحسن بن محفوظ، حدّثنا عبدالله بن هاشم، حدّثنا عبدالرحمن عن سفيان عن الربيع عن سعيد بن جبير { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } قال: الملائكة الذين في السماء.
وقال أبو العالية وابن زيد: ليس أنتم أصحاب الذنوب إنما هم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم، فجبرئيل الذي ينزل به مطهّر والرسل الذين يجيئهم به مطهّرون.
وقال ابن عباس: من الشرك. عكرمة: هم حملة التوراة والإنجيل.
قتادة: { لاَّ يَمَسُّهُ } عند الله { إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } فأما في الدنيا فيمسّه الكافر النجس والمنافق الرجس.
حبان عن الكلبي: هم السفرة الكرام البررة. محمد بن فضيل عنه لا يقرؤه إلاّ الموحدون.
قال عكرمة: وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن.
الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلاّ من آمن به.
الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلاّ من طهّره الله من الشرك والنفاق.
أبو بكر الوراق: لا يوفق للعمل به إلاّ السعداء.
أبو العباس بن عطاء: لا يفهم حقائق القرآن إلاّ من طهر سرّه عند الأنوار من الأقذار.
جنيد: هم الذين طهر سرّهم عما سوى الله.
وقال قوم: معناه { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } من الأحداث والجنابات والنجاسات، وردّوا الكناية في قوله { لاَّ يَمَسُّهُ } إلى القرآن.
وقالوا: أراد بالقرآن المصحف، سماه قرآناً على قرب الجوار والإتساع، كالخبر الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
قالوا: وظاهر الآية نفي ومعناها نهي كقوله عزّ وجل:
{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } [البقرة: 228] ونحوها واستدلوا بهذه الآية على منع الجنب والحائض والمحدث من مس المصحف وحمله، وقالوا: لا يجوز لأحد حمل المصحف ولا مسّه حتى يكون على صفة يجوز له الصلاة. قال: هذا مذهب جمهور الفقهاء إلاّ إن أبا حنيفة لا يمنع من حمله بعلاّقة ومسّه بحائل. والاختيار أنه ممنوع منه، لأنه إذا حمله في جلده فإنما حمله بحائل ومع هذا يُمنع منه.
وذهب الحكم وحماد وداود بن علي إلى أنه لا بأس بحمل المصحف ومسّه على أي صفة كانت سواء كان طاهراً أو غير طاهر، مؤمناً أو كافراً. إلاّ أن داود قال: لا يجوز للمشرك حمل المصحف.
والدليل على أنه لا يحمل المصحف ولا يمسّه إلاّ طاهراً ما روى أبو بكر محمد بن عمرو ابن جرم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن كتب في كتابه ألاّ يحمل المصحف ولا يمسّه إلاّ طاهرٌ.
وروى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تمس القرآن إلاّ وأنت طاهر" .
ولأن به إجماع الصحابة.
وروي أن علياً سُئل: أيمس المحدث المصحف؟ قال: "لا".
وروي أن مصعب بن سعد بن أبي وقاص كان يقرأ من المصحف فأدخل يده فحك ذكره فأخذ أبوه المصحف من يده. وقال: قم فتوضأ ثم خذه، ولا مخالف لهما في الصحابة.
وقال عطاء { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } قال: لا يقلب الورق من المصحف إلاّ المتوضىء. واستدل المبيحون بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وفيه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية.
وأجاز الفقهاء ذلك إذا دعته ضرورة أو حمله عذر عليه، وأما الصبيان فلأصحابنا فيه وجهان:
أحدهما: أنهم يمنعون منه كالبالغين.
والثاني: أنهم لا يُمنعون، لمعنيين: أحدهما: أن الصبي لو منع ذلك أدّى إلى ألاّ يتلقن القرآن ولا يتعلمه ولا يحفظه، لأن وقت تعلمه وحفظه حال الصغر.
والثاني: أن الصبي وإن كانت له طهارة فليست بكاملة لأن النية لا تصحّ منه، فإذا جاز أن يحمله على طهر غير كامل جاز أن يحمله محدثاً والله أعلم.
{ تَنزِيلٌ } أي منزل { مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فسمي المنزّل تنزيلا على اتّساع اللغة، كما تقول للمقدور قدر وللمخلوق خلق، وهذا الدرهم ضرب الأمير ووزن سبعة، ونحوها { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن { أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } قال ابن عباس: مكذبون.
مقاتل بن حيان: كافرون، ونظيره
{ { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 1] .
وقال ابن كيسان: المدهن الذي لا يفعل ما يحق عليه ويدفعه بالعلل.
وقال المؤرخ: المدهن المنافق الذي ليّن جانبه ليخفي كفره. وادّهن وداهن واحد وأصله من الدهن. وقال مجاهد: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم.
وقال بعض أئمّة اللغة: مدهنون أي تاركون للحزم في قبول هذا القرآن والتهاون بأمره، ومداهنة العدو وملاينته مكان ما يجب من مغالظته، وأصله من اللين والضعف.
قال أبو قيس بن الأسلت:

الحزم والقوة خير من الإدهان والفكّة والهاع

{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } حظكم ونصيبكم من القرآن { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .
قال الحسن: في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلاّ التكذيب به.
وقال آخرون: هذا في الاستسقاء بالأنواء. أنبأني عبدالله بن حامد، أنبأنا محمد بن الحسن، حدّثنا أحمد بن يوسف، حدّثنا النضر بن محمد، عكرمة، حدّثنا أبو زميل حدّثني ابن عباس قال:
"مُطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا" . قال: فنزلت هذه الآية.
{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } حتى { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }، وشرح قول ابن عباس هذا في سبب نزول هذه الآية ما روي عنه
"أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا فأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون سُقينا هذا المطر بنوء كذا. فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء.
قال فصلى ركعتين ودعا ربه فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملوؤا الأسقية فثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرَّ برجل يغترف بقدح له وهو يقول: سُقينا بنوء فلان، ولم يقل: هذا من رزق الله، فأنزل الله عزّوجل { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ }"
أي شكركم لله على رزقه إياكم { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } بالنعمة وتقولون: سُقينا بنوء كذا، وهذا كقول القائل: جعلت العطاء إليك إساءة منك إليَّ، وجعلت شكر إكرامي لك أنك اتخذتني عدواً، فمجاز الآية: وتجعلون شكر رزقكم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله { { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82] ونحوها.
قال الشاعر:

وكان شكر القوم عند المننكنَّ الصحيحات وقفا الأعين

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا عمر بن الحسن، حدّثنا أحمد، حدّثنا أُبي، حدّثنا حصين عن هارون بن سعد عن عبدالأعلى عن أبي عبدالرحمن عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون).
وذكر الهيثم عن عدي أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان، بمعنى ما شكر.
وأنبأني عقيل، المعافي، محمد بن جرير حدّثني يونس، سفيان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ان الله سبحانه وتعالى ليصبح عباده بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح قوم كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
قال محمد: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي فلما إستسقى التفت إلى العباس فقال: يا عم رسول الله كم بقي من نؤء الثريا؟ فقال: العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعاً قال: فما مضت سابعة حتى مطروا"
.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن خالد، أخبرنا داود بن سليمان، حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا محمد بن طلحة، عن طلحة عن عبد الله بن محيريز قال: دعاه سليمان بن عبدالملك فقال: لو تعلّمت علم النجوم فازددت إلى علمك. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: حيف الأئمة وتكذيباً بالقدر وإيماناً بالنجوم" .
ثم خاطبهم خطاب التحذير والترهيب فقال عزّ من قائل: { فَلَوْلاَ } فهّلا { إِذَا بَلَغَتِ } يعني النفس { ٱلْحُلْقُومَ } عند خروجها من الجسد فأختزل النفس لدلالة الكلام عليه.
كقول الشاعر:

أماويَّ ما يغني الثراء عن الفنىإذا حشرجت يوماً وضاق به الصدر

{ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } إلى أمري وسلطاني.
وقال ابن عباس: يريد: من حضر الميت من أهله ينظرون إليه متى تخرج نفسه.
قال الفراء: وذلك معروف من كلام العرب أن يخاطبوا الجماعة بالفعل كانهم أهله وأصحابه، والمراد به بعضهم غائباً كان أو شاهداً فيقولوا: قتلتم فلاناً والقاتل منهم واحد. ويقولون لأهل المسجد إذا آذوا رجلا بالازدحام: اتقوا الله فإنكم تؤذون المسلمين ونحن أقرب إليه منكم بالقدرة والعلم ولا قدرة لكم على دفع شيء عنه.
قال عامر بن عبد قيس: ما نظرت إلى شيء إلاّ رأيت الله سبحانه أقرب إليَّ منه.
وقال بعضهم: أراد: ورسلنا الذين يقبضون.
{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ * فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } مملوكين ومحاسبين ومجزيين.
فإن قيل: فأين جواب قوله { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ } وقوله { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ }؟
قلنا: قال الفراء: إنهما أُجيبا بجواب واحد، وهو قوله { تَرْجِعُونَهَآ } وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد فهذا من ذلك، ومنه قوله
{ { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة: 38] . أجيبا بجواب واحد، وهما جزآن ومن ذلك قوله و { { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } [آل عمران: 188].
وقيل: في الآية تقديم وتأخير مجازها { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ } أي تردّون نفس هذا الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم، ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت وفي البعث، وبيّن درجاتهم فقال { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } وهم السابقون { فَرَوْحٌ } قرأ الحسن وقتادة ويعقوب: بضم الراء على معنى أن روحه تخرج في الريحان. قاله الحسن.
وقال قتادة: الروح الرحمة، وقيل: معناه فحياة وبقاء لهم، وذكر أنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن نعيم، أخبرنا الحسين بن أيوب، أخبرنا علي بن عبدالعزيز، أخبرنا أبو عبيد، حدّثنا مروان بن معاوية عن أبي حماد الخراساني عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف: (فروح وريحان) بضم الراء.
وباسناده عن أبي عبيد، حدّثنا حجاج عن هارون وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا عمر ابن الحسن، أخبرنا أحمد، حدّثنا أبي، حدّثنا الحسين عن عبيد الله البصري عن هارون بن موسى المعلم أخبرني بديل بن ميسرة عن عبدالله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (فروح وريحان) بضم الراء.
وقرأ الآخرون: بفتح الراء.
واختلفوا في معناه، فقال ابن عباس ومجاهد: فراحة. سعيد بن جبير: فرح. الضحّاك: مغفرة ورحمة.
{ وَرَيْحَانٌ } قال ابن عباس: مستراح. مجاهد وسعيد بن جبير: رزق. قال مقاتل: هو بلسان حمير، يقال: خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه.
قال الربيع بن خثيم وابن زيد: (فروح) عند الموت (وريحان) يخبّأ له في الآخرة.
وقال الآخرون: هو الريحان المعروف الذي يُشمّ.
قال أبو العالية: لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمّه ثم يقبض.
و{ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } قال أبو بكر الوراق: الرّوح: النجاة من النار، والريحان: دخول دار القرار.
الترمذي: الروح: الراحة في القبر، والريحان: دخول الجنة.
بسام بن عبد الله: الروح: السلامة، والريحان: الكرامة.
شعر:

الروح معانقة الأبكار والريحان موافقة الأبرار

بحران الروح كشف الغطاء والريحان الروية واللقاء.
وقيل: الروح: الراحة، والريحان: النجاة من الآفة، وقيل: الروح: الموت على الشهادة، والريحان: نداء السعادة، وقيل: الروح: كشف الكروب، والريحان: غفران الذنوب، وقيل: الروح: الثبات على الايمان، والريحان: نيل الأمن والأمان.
وقيل: الروح فضلة، والريحان: (فضالة). وقيل: الروح تخفيف الحساب، والريحان: تضعيف الثواب.
وقيل: الروح عفو بلا عتاب، والريحان: رزق بلا حساب.
ويقال: { فَرَوْحٌ } للسابقين { وَرَيْحَانٌ } للمقتصدين { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } للطالبين.
وقيل: الروح لأرواحهم، والريحان لقلوبهم والجنة لأبدانهم والحق لأسرارهم.
{ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لَّكَ } رفع على معنى: فلك سلام، وهو سلام لك، أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتمّ لهم فإنهم سلموا من عذاب الله.
وقال الفراء: مُسلّم لك أنهم من أصحاب اليمين. أو يقال لصاحب اليمين: إنه مسلم لك أنك { مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } وقيل: فسلام عليك { مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ }.
{ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } وهم أصحاب المشأمة { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } وإدخال النار { إِنَّ هَـٰذَا } الذي ذكروا { لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي الحق اليقين فأضافه إلى نفسه، وقد ذكرنا نظائره.
قال قتادة: في هذه الآية: إن الله عزّ وجل ليس تاركاً أحداً من الناس حتى يقفَه على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
{ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } فصلّ بذكر ربك وأمره. وقيل: فاذكر اسم ربك العظيم وسبّحه.
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن شنبه، حدّثنا حمزة بن محمد الكاتب، حدّثنا نعيم بن حماد، حدّثنا عبدالله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمّه وهو اياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال:
"لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال: اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم" .
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرىء، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن محمد الحافظ أخبرنا أبو بكر بن أبي عاصم النبيل، حدّثنا الحوصي، حدّثنا بقية، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن معدان عن أبي بلال عن العرباض بن سارية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبّحات قبل أن يرقد ويقول: إن فيهن آية أفضل من ألف آية" .
قال: يعني بالمسبحات: الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.