التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٠
-الحشر

الكشف والبيان

{ لِلْفُقَرَآءِ } يعني كي لا يكون ما أفاء الله على رسوله دولة بين الاغنياء منكم، ولكن يكون للفقراء { الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } في إيمانهم. قال قتادة: هؤلاء المهاجرون الذي تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر وخرجوا حباً لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما كانت فيهم من شديدة، حتى ذكر لنا أنّ الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتّخذ الحفرة في الشتاء ماله دثار غيرها.
وروى جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا: كان أناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو فنسبهم الله أنّهم فقراء، وجعل لهم سهماً في الزكاة.
{ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا }: توطّنوا { ٱلدَّارَ } أي اتّخذوا المدينة دار الإيمان والهجرة، وهم الأنصار أسلموا في ديارهم وبنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين فأخر الله عليهم البناء. ونظم الآية: { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل قدوم المهاجرين عليهم وقد آمنوا { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً } حزازة وغيظاً وحسداً { مِّمَّآ أُوتُواْ } أي ممّا أعطوا المهاجرين من الفيء. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلاّ ثلاثة نفر كما ذكرناهم، فطابت أنفس الأنصار بذلك. { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } إخوانِهم من المهاجرين بأموالهم وديارهم { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }: فاقة وحاجة إلى ما هو يزول؛ وذلك أنّهم قاسموهم ديارهم وأموالهم.
وأخبرنا أبو محمّد الحسن بن أحمد بن محمّد السيستاني قال: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم الثقفي قال: أخبرنا محمود بن خداش وسمعته يقول: ما أخذت شيئاً أشتري قط قال: حدّثنا محمّد بن الحسن السيستاني قال: حدّثنا الفضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أصابه الجهد فقال: يا رسول الله، إني جائع فأطعمني. فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم (عليه السلام) إلى أزواجه: هل عندكنّ شيء؟. فكلّهنّ قلن: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما عندنا إلاّ الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عند رسول الله ما يطعمك هذه الليلة. ثم قال: من يضف هذا هذه الليلة يرحمه الله.
فقام رجل من الأنصار قال: أنا يا رسول الله. فأتى به منزله، فقال لأهله: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرميه ولا تدّخري عنه شيئاً. فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية. قال: قومي فعلّليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئاً، ثم أسرجي فأبرزي، فاذا أخذ الضيف ليأكل قومي كأنّك تصلحين السراج فأطفئيه وتعالي نمضغ ألسنتنا لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع ضيف رسول الله. قال: فقامت إلى الصبية فعللتهم حتى ناموا عن قوتهم ولم يطعموا شيئاً، ثم قامت فأبرزت وأسرجت فلمّا أخذ الضيف ليأكل قامت كأنّها تصلح السراج فأطفأته، وجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول الله (عليه السلام) فظنّ الضيف أنّهما يأكلان معه، حتى شبع ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتا طاويين. فلمّا أصبحا عَدوا إلى رسول الله(عليه السلام)، فلمّا نظر إليهما تبسّم ثم قال: لقد عجب الله من فلان وفلانة هذه الليلة"
. فأنزل الله سبحانه: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } الآية.
قال أنس بن مالك: أُهدي لبعض الصحابة رأس شاة مشوي وكان مجهوداً، فوجّهه إلى جار له فتناوله تسعة أنفس ثم عاد إلى الأوّل، فأنزل الله سبحانه: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.
ويحكى عن أبي الحسن الأنطاكي أنّه اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلا بقرية بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لم تسع جميعهم ونشروا الرغفان وأطفؤوا السراج وجلسوا للطعام، فلمّا رفع فإذا الطعام بحاله لم يأكل واحد منهم إيثاراً لصاحبه.
ويحكى عن حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك لطلب ابن عم لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيقه ومسحت وجهه، فإذا أنا به، قلت: أسقيك؟ فأشار أي نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر قال: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قدمات، ثم رجعت الى هشام فإذا هو قدمات، ثم رجعت الى ابن عمي فإذا قد ماترحمه الله .
سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد النيسابوري قول: سمعت أبا عبد الله محمّد بن عبيد الله الجرجاني يقول: سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يحكي عن أبي يزيد البسطامي قال: ما غلبني أحد مثل ما غلبني شاب من أهل بلخ قدم علينا حاجّاً، فقال لي: يا أبا يزيد، ما حدّ الزهد عندكم؟ قلت: إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا. فقال هكذا عندنا كلاب بلخ. فقلت: ماحدّ الزهد عندكم؟ فقال: إذا فقدنا صبرنا، وإذا وجدنا آثرنا.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم البلاذري يقول: سمعت بكر بن عبد الرحمن يقول: سئل ذو النون المصري عن علامة الزاهد المشروح صدره فقال: ثلاث: تفريق المجموع، وترك طلب المفقود، والإيثار عند القوت.
قال ابن عباس:
"قال رسول الله (صلى الله عليه سلم) يوم النضير للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة.
فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها"
. فأنزل الله سبحانه: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.
{ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } والشح في كلام العرب: البخل ومنع الفضل، يقال: فلان شحيح من الشُّح والشِّحّ والشحّة والشحاحة، قال عمرو بن كلثوم:

ترى اللحز الشحيح إذا أمرّتعليه لماله فيها مهينا

وفرّق العلماء من السلف بينهما.
فأخبرني الحسن بن محمّد قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن علي قال: حدّثنا إدريس بن عبد الكريم الحدّاد قال: حدّثنا عاصم بن علي بن عاصم، وأخبرنا عبد الخالق قال: حدّثنا ابن حبيب قال: حدّثنا ابن شاكر قال: حدّثنا عاصم بن علي قال: حدّثنا المعادي، عن جامع بن شداد، عن أبي الشعثاء قال:
قال رجل لعبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، إني أخاف أن أكون قد هلكت. قال: وما ذاك؟ قال: سمعت الله سبحانه يقول: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يديّ شيء. فقال: ليس ذاك الشحّ الذي ذكر الله سبحانه في القرآن، ولكن الشحّ أن تأكل مال أخيك ظلماً، ولكن ذلك البخل، وبئس الشيء البخل.
الوالبي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } قال: يقول: هوى نفسه يتبع هواه فلم يقبل الإيمان.
وقال ابن زيد: من لم يأخذ شيئاً لشيء نهاه الله سبحانه ولم يدعه الشحّ الى أن يمنع شيئاً من شيء أمره الله تعالى به فقد وقاه شحّ نفسه.
وقال طاووس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشحّ أن يبخل بما في أيدي الناس.
وأخبرني أبي قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن عبد الله النحوي قال: أخبرنا محمّد بن حمدون ابن خالد قال: حدّثنا محمّد بن عبد الوهاب بن أبي تمام العسقلاني قال: حدّثنا سليمان ابن بنت شراحيل قال: حدّثنا إسماعيل بن عبّاس قال: حدّثنا عمارة بن عديّة الأنصاري، عن عمّه عمر بن جارية، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"برئ من الشحّ من أدّى الزكاة، وقرى الضيف وأعطى في النائبة" .
أخبرني أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن عليّ بن عبد الله ابن محمّد الطائي قال: حدّثنا عبد الله بن زيد قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء قال: حدّثنا إسماعيل بن عباس عن هشام بن الغاد عن أبان عن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم إنيّ أعوذ بك من شحّ نفسي وإسرافها ووسواسها" .
وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدّثنا هارون بن محمّد بن هارون قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن سنان قال: حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدّثنا داود بن قيس الفرّاء، عن عبد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الشحّ؛ فانّ الشحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم" .
وروى سعيد بن جبير، عن أبي الهياج الأسدي قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: اللهم قني شحّ نفسي. لا يزيد على ذلك. فقلت له فيه، فقال: إنّي اذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل. وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.
ويحكى أنّ كسرى قال لاصحابه: أي شيء أضرّ بابن آدم؟ قالوا: الفقر. فقال كسرى: الشحّ أضرّ من الفقر؛ لأنّ الفقير اذا وجد اتّسع، والشحيح لا يتسع أبداً.
{ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.
قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرون، والذين تبوّأوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجهد ألاّ تكون خارجاً من هذه المنازل.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا علي بن إبراهيم الموصلي قال: حدّثنا محمّد بن مخلد الدوري قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الحساني قال: حدّثني أبو يحيى الحماني، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: أمر الله سبحانه بالاستغفار لأصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم سيفتنون.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن سليمان قال: حدّثنا ابن نمير قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الملك بن عمير، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنه قالت: أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم، سمعت نبيّكم صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا تذهب هذه الأُمّة حتى يلعن آخرها أوّلها" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن علي الطوسي قال: حدّثنا محمّد بن المؤمّل بن الصباح البصري قال: حدّثنا النصر بن حماد العتكي قال: حدّثنا سيف ابن عمر الأسدي قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي فقولوا: لعن الله شركم" .
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا ابن النعمان قال: حدّثنا هارون بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله يعني ابن داود قال: حدّثنا كثير بن مروان الشامي، عن عبد الله بن يزيد الدمشقي قال: أتيت الحسن فذكر كلاماً إلاّ إنّه قال: أدركت ثلاثمائة من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم منهم سبعون بدرياً كلّهم يحدّثونني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" .
فالجماعة ألاّ تسبّوا الصحابة، ولا تماروا في دين الله، ولا تكفّروا أحداً من أهل التوحيد بذنب قال عبد الله بن زيد: فلقيت أبا أمامة وأبا الدرداء وواثلة وأنس بن مالك، وكلّهم يحدّثونني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث الجماعة.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو الفضل صالح بن الأصبغ التنوخي قال: حدّثنا أبو الفضل الربيع بن محمّد بن عيسى الكندي قال: حدّثنا سعيد بن منصور قال: حدّثنا شهاب بن حراش، عن عمّه العوّام بن حوشب، قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمّة وهم يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تأتلف عليهم القلوب ولا تذكروا ما شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم.
وسمعت عبد الله بن حامد يقول: سمعت محمّد بن محمّد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله محمّد بن القاسم الجمحي المكّي قال: سمعت محمّد بن سعدان المروزي قال: سمعت أحمد بن إسماعيل المروزي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه قال: قال عامر بن شراحيل الشعبي: يا مالك، تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: حواريّو عيسى. وسئلت الرافضة: من شرّ أهل ملّتكم فقالوا: أصحاب محمّد، أُمروا بالاستغفار إليهم فسبوّهم؛ فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية ولا تثبت لهم قدم، ولا تجمع لهم كلمة، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم، وإدحَاض حجّتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلّة.
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمّد المعدل قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يونس المقري قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سالم قال: حدّثنا سوار بن عبد الله القاضي قال: حدّثنا أبي قال: قال مالك بن أنس: من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في قلبه عليهم غلّ، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } حتى أتى على هذه الآية، ثم قرأ { لِلْفُقَرَآءِ } حتى أتى على هذه الآية، ثم قال: { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } حتى أتى على هذه الآية ثم قال: { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } إلى قوله: { رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } فمن ينتقصهم أو كان في قلبه عليهم غلّ فليس له من الفيء حقّ.