قوله تعالى {أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ} فيه إضمار أي قل لهم يا محمد أفغير اللّه {أَبْتَغِي حَكَماً} قاضياً بيني وبينكم، {وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً} مبيّناً يعني {أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي} يعني التوراة والإنجيل وهم مؤمنو أهل الكتاب.
قال عطاء: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وأتباعهم رضي اللّه عنهم والكتاب هو القرآن.
{يَعْلَمُونَ أَنَّهُ} يعني القرآن {مُنَزَّلٌ}.
قرأ الحسن والأعمش وأبي عامر: وخص بالتشديد من التنزيل لأنه أنزل نجوماً مرة بعد مرة.
وقرأ الباقون: بالتخفيف من الإنزال لقوله عز وجل يعني أنزل إليكم الكتاب {مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} قرأ أهل الكوفة كلمة: على الواحد والباقون: كلمات على الجمع، واختلفوا في الكلمات.
فقال قتادة: هي القرآن لا مبدل له لا يزيد المفترون ولا ينقصون.
وقال بعضهم: هي أقضيته وعدالته {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} لا مغير لها {وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ} يعني الكفار {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} عن دين اللّه ثم قال {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ}.
قال بعضهم: موضع من نصب لأنّه ينزع الخافض وهو حرف الصفة أي بمن.
وقيل: موضعه رفع لأنه بمعنى أي والرافع ليضل.
وقيل: محله نصب لوقوع العلم عليه وأعلم بمعنى يعلم كقول حاتم الطائي:
فحالفت طيء من دوننا حلفاواللّه أعلم ما كنا لهم خذلا
وقالت الخنساء:
القوم أعلم أن جفنتهتغدو غداة الريح أو تسري
{وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ * فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ}.
قال ابن عباس: قال المشركون للمؤمنين: أنكم تعبدون اللّه فما قبل الله لكم الحق الحق أن تأكلوا مما قتلتم بسكاكينكم فنزل اللّه {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ} وقت الذبح يعني المذكاة بسم اللّه {إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ} وما يمنعكم أن لا تأكلوا {مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ} من الذبائح {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}.
قرأ الحسن وأبو رجاء [الأعرج] وقتادة والجبائي وطلحة ومجاهد وحميد وأهل المدينة: بالفتح فهما على معنى فصل اللّه ما حرمه عليكم لقوله إسم اللّه جرى ذكره تعالى.
وقرأ محمد بن عامر وأبو عمرو: بضمهما على غير تسمية الفاعل لقوله ذكر.
وقرأ أصحاب عبد اللّه وأهل الكوفة: فصل بالفتح يحرم بالضم.
وقرأ عطية العوفي فصل مفتوحاً خفيفاً بمعنى قطع الحكم فيما حرم عليكم وهو ما ذكر في سورة المائدة قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } الآية [المائدة: 3] {إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} من هذه الأشياء فإنه حلال لكم عند الإضطرار ثم قال {وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ} قرأ الحسن وأهل الكوفة: بضم الياء كقوله: يضلوك.
وقرأ الباقون: بالفتح كقوله: من يضل ومن ضل {بِأَهْوَائِهِم} بمرادهم {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حين دعوا إلى أكل الميتة {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ} المتجاوزين من الحلال إلى الحرام.