التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ
١٣
-الممتحنة

الكشف والبيان

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } الآية وذلك يوم فتح مكة "لما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال وهو على الصَفا وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه وهند بنت عتبة أمرأة أبي سفيان متنقبة مستنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً فرفعت هند رأسها وقالت والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يسرقن فقالت هند: إن أبي سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله هنات ولا أدري أتحل لي أم لا؟
فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة قالت: نعم، فأعفُ عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال: لا يزنين فقالت هند أوتزني الحرة؟ فقال: { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى وتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } وهو أن تقذف ولداً على زوجها وليس منه، فقالت هند: والله إنَّ البهتان يقبح وما تأمرنا إلاّ مكارم الأخلاق، { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } فقالت: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، فأقرّ النسوة بما أخد عليهن ."
وأختلف العلماء في كيفية بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه النساء، فأخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان وأخبرنا عبد الله ابن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثنا بشر بن مطر قال: حدثنا سفيان بن عتبة "عن محمد بن المفكر وسمع أميمة بنت رفيقة تقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال: فيما استطعتن وأطقتن فقلت: رسول الله أرحم بنا من أنفسنا، قلت: يا رسول الله صافحنا قال: إني لا أصافح النساء إنما قولي (لامرأة واحدة) كقولي لمائة امرأة" .
وأخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية على أن لا يشركن بالله شيئاً قالت: وما مسّ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد أمرأة قط الايد أمرأة تملكها، وقال السعري كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء وعلى يده ثوب مطري.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه، وقال الكلبي: كان رسول صلى الله عليه وسلم يشرط على النساء وعمر رضي الله عنه يصافحهن.
وأختلف المفسرون في معنى المعروف فقال القرظي: المعروف الذي لا يعصينه فيه، ربيع: كل ما وافق طاعة الله فهو معروف، فلم يرض الله لنبيّه أن يطاع في معصية الله. بكر بن عبد الله المدني: لا يعصينك في كل أمر فيه رشدهن، مجاهد: لا تخلو المرآة بالرجال، سعيد ابن المسيب ومحمد بن السائب وعبد الرحمن بن زيد: لا تحلقن ولا تسلقن ولا تحرقن ثوباً ولا ينتفن شعراً ولا يخمشن وجهاً ولا ينشرن شعراً ولا يحدثن الرجال إلا ذا محرم ولا تخلو أمرأة برجل غير ذي محرم ولا تسافر أمرأة ثلاثة أيام مع غير ذي محرم، ابن عباس: لا ينحن.
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي الهمداني قال: حدثنا محمد بن علي بن مخلد الفرقدي قال: حدثنا سليمان الشادكوى قال حدّثنا النعمان بن عبد السلام قال حدّثني عمرو بن فروخ قال: حدثنا مصعب بن نوح قال: أدركت عجوزاً ممن بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثتني عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعصينك في معروف قال: النوح وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرنا أبو بكر بن سلام قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدّثنا سعدون قال: حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفّين صفاً عن اليمين وصفاً وعن الشمال وينبحن كما تنبح الكلاب" .
وأخبرنا الحسين قال: حدثنا السني قال: أخبرني إسحاق بن مروان الخطراني قال: حدثنا الحسن بن عروة قال: حدّثنا علي بن ثابت الحرري قال: حدّثنا حسان بن حميد عن سلمة بن جعفر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة ودرع من حرب واضعة يدها على رأسها تقول: واويلاه، وملك يقول: آمين، ثم يكون من ذلك حظها النار" .
وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرنا أبو يعلي الموصلي قال: حدثنا هدية بن خالد قال حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن زيداً حدّثه أنَّ أبا سلمة حدّثه أن أبا مالك الأشعري حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر في الإحساب والطعن في الأنساب والإستسقاء بالنجوم والنياحة" .
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها يقام يوم القيامة عليها سربال من قطران ودرع من حرب" .
وأخبرنا الحسن قال: أخبرنا ابن حمدان قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن سنان قال: حدّثنا عبد الله بن رجاء العداي قال: حدّثنا عمران بن دوار القطان قال: حدّثنا قتادة عن أبي مرانة العجلي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة" .
وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثني عمر بن حفص المكاري قال: حدّثنا أبو عتبة قال: حدّثنا فقيه قال: "حدّثنا أبو عامر قال: حدّثني عطاء بن أبي رياح أنَّه كان عند ابن عمر وهو يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمسمعة والحالقة والسالقة والواشمة والمتوشمة وقال: ليس للنساء في إتباع الجنائز أجر" .
وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا يوسف بن عبد الله قال حدّثنا موسى ابن إسماعيل قال: حدّثنا حماد عن أبان بن أبي عياش عن الحسين أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع نائحة فأتاها فضربها حتى وقع خمارها عن رأسها، فقيل: يا أمير المؤمنين المرأة المرأة قد وقع خمارها، قال: إنها لا حرمة لها.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وهم اليهود وذلك ان ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين ويتواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك { قَدْ يَئِسُواْ } يعني هؤلاء اليهود { مِنَ ٱلآخِرَةِ } أن يكون لهم فيها ثواب { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } أن يرجعوا إليهم أو يبعثوا.
أخبرنا الشيخ أبو علي بن أبي عمرو الخيري الحرشي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمد ابن خلف بن شُعبة قال: حدّثنا محمد بن سائق قال: حدّثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله سبحانه { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } قال: هم الكفار أصحاب القبور قد يئسوا من الآخرة.
وأخبرنا أبو علي بن أبي عمرو قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا علي بن سعيد بن جبير النسائي قال: حدّثنا أبو النظر قال: حدّثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } قال: الكفار حين دخلوا قبورهم يئسوا من رحمة الله.
وأخبرنا أبو علي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا شبل عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عزّ وجلّ { يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ } بكفرهم كما يئس الكفّار من الموتى في الآخرة حتى يبين لهم أعمالهم.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا عبد الله بن حبيب عن أبي ثابت قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يقول في قول الله سبحانه { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } قال: من كان منهم من الكفار يئس من الخير.