التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٤
مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٦
وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ
٧
-الجمعة

الكشف والبيان

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ } قال أهل اللغة: كل أسم على فعّول بتشديد للعين فالفاء منه منصوبة، نحو سفّود وكلّوب وسمّور وشبّوط وهو ضرب من السمك إلاّ أحرف: سبّوح وقدّوس، ومردوح لواحد المراديح، وحكى الفراء عن الكسائي قال: سمعت أبا الدنيا وكان إعرابياً فصيحاً يقرأ القدوس بفتح القاف ولعلها لغة.
{ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } وقرأ أبو وائل الملك القدوس بالرفع على معنى هو الملك القدوس.
أخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله ابن سليمان قال: حدّثنا محمد بن إسحاق الرازي قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت عمرو بن أبي قيس عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال: هذه الآية { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } في التوراة سبعمائة آية.
{ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ } يعني العرب { رَسُولاً مِّنْهُمْ } محمداً صلى الله عليه وسلم { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } في { وَآخَرِينَ } وجهان من الأعراب: أحدهما الخفض على الرد الى الأميين، مجازه: وفي آخرين، والثاني: النصب على الردّ الى الهاء والميم من قوله { وَيُعَلِّمُهُمُ } أي ويعلم آخرين منهم أي من المؤمنين الذين يدينون بدينه.
{ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أي لم يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم.
وأختلف العلماء فيهم فقال ابن عمرو سعيد بن جبير: هم العجم، وهي رواية ليث عن مجاهد يدلّ عليه كما روى ثور بن يزيد عن أبي العتب عن أبي هريرة قال:
"لما نزلت هذه الآية { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } كلّمه فيها الناس فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سلمان فقال: لو كان (الدين)عند الثريا لناله رجال من هؤلاء" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن خلف قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي قال: حدّثني حُصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "رأيتني تبعني غنم سود ثم أتبعتها غنم سود ثم اتبعتها غنم عفر أوّلها أبا بكر قال: أمّا السود فالعرب، وأما العفر فالعجم تبايعك بعد العرب، قال: كذلك عبّرها الملك سحر" يعني وقت السحر.
وبه عن أبي حمزة قال: حدّثني السدي قال: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى إذا قال: رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنه يعني به علياً، وإذا قال: رجل من أهل بدر فأنما يعني به علياً، فكان أصحابه لا يسألونه عن أسمه، وقال: عكرمة ومقاتل: هم التابعون، وقال ابن زيد وابن حيان: هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم الى يوم القيامة وهي رواية ابن أبي نحيح عن مجاهد.
وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"وأن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال (أمتي) رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي كلّفوا العمل بها { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ولم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقّها { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } كتباً من العلم والحكمة.
قال الفراء: هي الكتب العظام واحدها سفر، ونظيرها في الكلام شبر وأشبار وجلد وأجلاد فكما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولاينتفع بها كذلك اليهود يقرؤون التوراة ولا ينتفعون به، لأنهم خالفوا ما فيه.
أنشدنا أبو القاسم بن أبي بكر المكتب قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن المنذر قال: أنشدنا أبو محمد العشائي المؤدب قال: أنشدنا أبو سعيد الضرير:

زوامل للأسفار لا علم عندهمبجيّدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري المطي إذا غدابأسفاره إذ راح ما في الغرائز

{ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ } محمد وأصحابه { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } فادعوا على أنفسكم بالموت { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه.
{ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } . أخبرنا الحسن قال: حدّثنا السني قال: حدّثنا النسائي قال: أخبرني عمرو بن عثمان قال: حدّثنا بقية بن الوليد قال: حدّثنا الزبيدي قال: حدّثني الزهري عن أبي عبيد أنه سمع أبا هريرة يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يتمن أحدكم الموت أما محسن فإن يعش يزدد خيراً فهو خيرٌ له وأما مسيئاً فلعلّه أن يستعتب" .