التفاسير

< >
عرض

لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ
١
وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ
٢
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
٣
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
٤
-القيامة

الكشف والبيان

{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } قراءة العامة مقطوعة الألف مهموزة.
{ وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } مثلها، وقرأ الحسن وعبد الرحمن الأعرج لاقسم بغير ألف موصله. { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ } بالألف مقطوعة على معنى أنه أقسم باليوم ولم يقسم بالنفس، ومثله روى القواس عن شبل عن ابن بكير، والصحيح أنه قسم بهما جميعاً ومعنى قوله لا أقسم بيوم القيامة اختلفوا فيه فقال: بعضهم { لاَ } صلة أي أقسم بيوم القيامة وإليه ذهب سعيد بن جبير وقال أبو بكر بن عباس: هو تأكيد للقسم كقولك لا والله، وقال الفراء في قوله { لاَ }: رد لكلام المشركين ثم ابتدأ القسم فقال أقسم بيوم القيامة، وقال: وكل يمين قبلها رد فلابد من تقديم { لاَ } قبلها ليفرّق بين اليمين التي تكون جحداً واليمين التي تستأنف، ألا ترى أنك تقول مبتدئاً: والله إن الرسول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرسول لحق، فكأنك أكّدت قوماً أنكروه.
أخبرنا عقيل أن المعافى أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثنا أبو كريب قال: حدّثنا وكيع عن سفيان ومسعر عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: لا يقولون القيامة القيامة وإنما قيامة أحدهم موته، وبه عن سفيان ومسعر عن أبي قيس قال: شهدت جنازة فيها علقمة فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته.
{ وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } قال: سعيد بن جبير وعكرمة: تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء. مجاهد: تندم على ما فات وتلوم عليه وتقول لو فعلت ولو لم أفعل.
قتادة: اللوامة: الفاجرة. ابن عباس: هي المذمومة، وقال الفراء: ليس من نفس برَّة ولا فاجرة إلاّ وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً قالت: هلاّ زدت، وإن كانت عملت سوءاً قالت: يا ليتني لم أفعل. الحسن: هي نفس المؤمن، قال: إنّ المؤمن والله ما تراه إلاّ يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلتي ما أردت بحديث نفسي وإنّ الفاجر يمضي قُدماً لا يحاسب نفسه ولا [يعاتبها]. مقاتل: هي نفس الكافر تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا، وقيل: لومها قوله سبحانه:
{ { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24] و { { يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر: 56] أي في أمر الله. سهل: هي الإمارة بالسوء وهي قرينة الحرص والأمل.
أبو بكر الورّاق: النفس كافرة في وقت منافقه في وقت مرائية على الأحوال كلّها هي كافرة؛ لأنها لا تألف الحق، وهي منافقة لأنها لا تفي بالعهد، وهي مرائية لأنها لا تحبّ أن تعمل عملاً ولا تخطو خطوة إلاّ لرؤية الخلق، فمن كانت هذه صفاته فهي حقيقة بدوام الملامة لها.
{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } نزلت في عدي بن ربيعة بن أبي سلمة حليف بني زهرة ختن الأخنس ابن شريف حليف بني زهرة وكان النبي (عليه السلام) يقول:
"اللهم اكفني جارَيّ السوء" يعني عدياً والأخنس وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي (عليه السلام) فقال: يا محمد حدّثني عن يوم القيامة متى يكون، وكيف يكون أمرها وحالها فأخبره النبي (عليه السلام) بذلك، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدّقك ولم أؤمن به، أو يجمع الله العظام؟ فأنزل الله سبحانه { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } يعني الكافر.
{ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } بعد تفريقها وبلائها فنجيبه ونبعثه بعد الموت، يقال: إنّه ذكر العظام، والمراد بها نفسه كلّها لأن العظام قالب الخلق ولن يستوي الخلق إلاّ باستوائها، وقيل: هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقول الآخر:
{ { قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78].
ثم قال سبحانه: { بَلَىٰ قَادِرِينَ } أي نقدر استقبال صرف إلى الحال، قال الفراء: { قَادِرِينَ } نصب على الخروج من { نَّجْمَعَ } كأنك قلت في الكلام: أيحسب أن لن يقوى عليك، بلى قادرين على أقوى منك، يريد بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا، وقرأ ابن أبي غيلة قادرون بالرفع، أي بلى نحن قادرون، ومجاز الآية: بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك، وهو: { عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } أنامله فيجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحد كخف البعير، أو كظلف الخنزير، أو كحافر الحمار، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاً ولكنا فرقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء، ويقبض إذا شاء ويبسط إذا شاء فحسنّا خلقه. هذا قول عامة المفسرين.
وقال القبيسي: ظن الكافر أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام البالية، فقال الله سبحانه: بلى قادرين أن نعيد السلاميات على صغرها ونؤلف بينها حتى نسوي البنان، ومَنْ يقدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر وهذا كرجل قلت له: أتراك تقدر على أن تؤلف من هذا الحنظل في خيط ويقول نعم وبين الخردل.