{وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } قال الربيع بن أنس: الدنيا بالآخرة، وهي رواية أبي الجوزاء وعطية عن ابن عباس، ورواية عوف ومنصور عن الحسن، وروى الوالي وبادان عن ابن عباس قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة، فكان في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال: إسماعيل ابن أبي خالد: عمل الدنيا بعمل الآخرة، وقال الضحاك: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه، وروى سفيان عن رجل عن الحسن عن مجاهد قالا: اجتمع فيه الحياة والموت. قتادة: الشدّة بالشدّة. بشر بن المهاجر عن الحسن قال: هما ساقاك إذا لفّتا في الكفن، وإليه ذهب سعيد بن المسيّب.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو محمد المزني قال: حدّثنا مطين قال: حدّثنا نصر بن علي فقال: حدّثنا خالد بن قيس عن قتادة عن الحسن قال: ماتت رجلاه ولم تحملاه وكان عليهما جوّالا، وروى شعبة عن قتادة قال: أمر أتاه إذا ضرب برجله الأخرى. أبو مالك: يلبسهما عند الموت. عكرمة: خروج من الدنيا إلى الآخرة. أبو يحيى عن مجاهد: بلاء ببلاء. القرطبي: الأمر بالأمر. زيد بن أسلم: ساق الكفن بساق الميت. سعيد بن جبير: تتابعت عليه الشدائد. السدي: لا يخرج من كرب إلاّ جاءه أشدّ منه، والعرب لا تذكر الساق إلاّ في المحن والشدائد، ومنه مثلهم السائر: (لا يرسل الساق إلاّ ممسكاً ساقاً)، وقال أميّه بن أبي الصلّت:
وقد أرقت لهمَ بات يطرقنيوالنفس ذات حزازات وطرّاق
مستجذ بالقراة حينآرقني ليل التمام أقاسيه على ساق
أي على تعب وشدة.
وقال ابن عطاء: اجتمع عليه شدّة مفارقة الوطن من الدنيا والأهل والولد وشدّة القدوم على ربّه لا يدري بماذا يقدم عليه لذلك قال عثمان بن عفان: ما رأيت منظراً إلاّ والقبر أفضع منه؛ لأنّه آخر منازل الدنيا وأول منازل الآخرة، وقال يحيى بن معاذ: إذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره أربعة أملاك واحد عند رأسه والثاني عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره، فيقول الذي عند رأسه: يا ابن آدم انفضّت الآجال وانقطعت الآمال، ويقول الذي عن يمينه: ذهبت الأموال وبقيت الأعمال، ويقول الذي عن يساره: ذهب الأشغال وبقي الوبال، ويقول الذي عند رجليه: طوبى لك من كسبك إن كان كسبك من الحلال وكنت مشتغلاً بخدمة ذي الجلال.
{إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ} المنتهى والمرجع تسوق الملائكة روحه حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى. {فَلاَ صَدَّقَ} يعني أبا جهل {وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ} يتبختر، قال زيد بن أسلم: هي مشية بني مخزوم وأصله من المطا وهو الظهر أي يلوي مطاه تبختراً، وقيل: أصله يتمطط أي يتمدد، والمط هو المد فجعلت أحدى الطاءت يا، وقد مضت هذه المسألة وتمطى الإنسان إذا قام من منامه فتمدّد.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسين الهمداني قال: حدّثنا محمد بن علي بن مخلد الفرقدي قال: حدّثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال: حدّثنا سفيان بن عتبة عن يحيى بن سعيد الأنصاري سمع شيخاً قديماً يقال له بجنس مولى الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم الروم وفارس سلط بعضهم على بعض" قال سفيان: فأخبرت بهذا الحديث ابن أبي نجيح فقال هل تدرون ما المطيطاء؟ هو مثل قوله سبحانه: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ} يتبختر.
{أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ} هذا وعيد من الله سبحانه على وعيد أبي جهل وهي كلمة موضوعة للتهدّد والوعيد قالت الخنساء:
هممت بنفسي كل الهمومفأولى لنفسي أولى لها
وأنشدني أبو القيّم السدوسي قال: أنشدني أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي الأدبي قال: أنشدنا أحمد بن يحيى بن تغلب:
يا أوس لو نالتك أرماحناكنت كمن تهوى به الهاويه
القيتا عيناك عند القفاأولى فأولى لك ذا واقيه
وقال بعض العلماء: معناه أنك أجدر بهذا العذاب وأحقّ وأولى، يقال للرجل يصيبه مكروه يستوجبه، وقيل: هو كلمة يقولها العرب لمن قاربه المكروه وأصلها من الولي وهو القرب، قال الله سبحانه: { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ } [التوبة: 123] ويقال ثمّ الذي يليه أي يقرب منه. قال الشاعر:
فصالوا صولة فيمن يليهموصلنا صولة فيمن يلينا
وقال آخر:
هجرت غضوب وحب من يتجنّبوَعَدَتْ عواد دون وليك تشعب
وحكى لنا الإستاذ أبو القيم الحلبي أنه سمع أبا الهيثم الجمي وكان عارفاً بالمعاني يقول حاكياً عن بعض العلماء: أن قوله {أَوْلَىٰ} من المقلوب مجازه: أويل من الويل، كما يقال: ما أطيبه وأيطبه وعاقني وعقاني وأيم وأيامي وأصله أيايم وقوس وقسي وأصله قؤوس، ومعنى الآية كأنه يقول لأبي جهل: الويل لك يوم تموت، والويل لك يوم تبعث، والويل لك يوم تدخل النار وتخلد فيها.
وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي (عليه السلام) لمّا نزلت هذه الآية اخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له: {أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ} فقال أبو جهل: اتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئاً وأني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلمّا كان يوم بدر أشرف عليهم وقال: لا نعبد الله بعد اليوم، فصرعه الله شرّ مصرع، وقتله أسوأ قتلة، أقعصه ابنا عفراء وأجهز عليه ابن مسعود، قال: وذكر لنا أن أبا جهل كان يقول: لو علمت أن محمداً رسول الله ما أتبعت غلاماً من قريش قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنّ لكل أمّة فرعوناً وأن فرعون هذه الأمة أبو جهل" .
{أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} هملا لا يؤمر ولا ينهى يقال: أسديت حاجتي أي ضيّعتها، وأبل سدى ترعى حيث شاءت بلا راع. {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ} قرأ الحسن وابن محيص وأبو عمرو ويعقوب وسلام بالياء وهي رواية المفضل وحفص عن عاصم واختيار أبي عبيد لأجل المنى، وقرأ الباقون بالتاء لأجل النطفة وهو اختيار أبي حاتم.
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ} خلقه {فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَلِكَ} الذي فعل هذا {بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ}.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا الكندي قال: حدّثنا سعيد بن بنان الصفار قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثني يونس الطويل جليس لأبي إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب قال: "لما نزلت هذه الآية {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ} قال رسول الله (عليه السلام): سبحانك وبلى" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم الربيعي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبدالله ابن أيوب المخزومي قال: حدّثنا صالح بن مالك قال: حدّثنا أبو نوفل علي بن سليمان قال: حدّثنا أبو إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس قال: من قرأ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1] إماماً كان أو غيره فليقل: سبحان ربي الأعلى، ومن قرأ: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ} فإذا انتهى إلى آخرها فليقل: سبحانك اللهم بلى، إماماً كان أو غيره.