التفاسير

< >
عرض

يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً
٧
وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً
٩
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً
١٠
فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً
١١
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً
١٢
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً
١٣
-الإنسان

الكشف والبيان

{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } قال قتادة: بما فرض الله سبحانه عليهم من الصلاة والزكاة والحج والعمرة وغيرها من الواجبات، وقال مجاهد وعكرمة: يعني إذا بدروا في طاعة الله وفوا به. { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } ممتداً قاسيا يقال استطار الصدع في الزجاجة واستطال إذا امتد، ومنه قول الأعشى:

وبانت وقد أُسأرت في الفؤادصدعاً على نأيها مستطيراً

{ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } قال ابن عباس: على قلّته وحسبهم أياه وشهوتهم له، وقال الداري: على حبّ الله، وقال الحسين بن الفضل: على حبّ إطعام الطعام. { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } وهو الحربي يؤخذ قهراً أو المسلم يحبس بحق. قال قتادة: بعد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وأنّ أسراءهم يومئذ لأهل الشرك فأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه، وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعطا: هو المسجون من أهل القبلة. أخبرني الحسن قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن ناجية قال: حدّثنا عباد بن أحمد العرزمي قال: حدّثنا عمي عن أبيه عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي(عليه السلام) "{ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً } قال: فقيراً { وَيَتِيماً } قال: لا أب له { وَأَسِيراً } قال: المملوك والمسجون" ، وقال أبو حمزة الثمالي: الأسير المرأة، ودليل هذا التأويل قول النبي (عليه السلام): "استوصوا بالنساء خيراً فإنّهن عندكم عوان" .
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } فيه وجهان: أحدهما أن يكون جمع الشكر كالفلوس بجمع الفلس، والكفور بجمع الكفر، والآخران يكون بمعنى المصدر كالفعول والدخول والخروج.
قال مجاهد وسعيد بن جبير: أمّا أنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب.
{ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً } في يوم { عَبُوساً } تعبس فيه الوجوه من شدّته وكثرة مكارهة فنسب العبوس إلى اليوم كما يقال: يوم صائم وليل نائم، وقال ابن عباس: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وقيل: وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدّة والهول كالرجل الكالح البائس.
{ قَمْطَرِيراً } روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: العبوس: الضيق، والقمطرير: الطويل. الكلبي: العبوس: الذي لا انبساط فيه والقمطرير: الشديد. وقال قتادة ومجاهد ومقاتل: القمطرير: الذي يقلّص الوجوه ويقبض الحياة وما بين الأعين من شدته. قال الأخفش: القمطرير أشدّ ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء يقال: يوم قمطرير وقماطر إذا كان شديداً لكربها. قال الشاعر:

ففرّوا إذا ما الحرب ثار غبارهاولج بها اليوم العبوس القماطر

وأنشد الفرّاء:

بني عمّنا هل تذكرون بلاناعليكم إذا ما كان يوم قماطر

وقال الكسائي: أقمطرّ القوم وأزمهرّ أقمطراراً وازمهراراً وهو الزمهرير والقمطرير، ويوم مقمطر إذا كان صعباً شديداً. قال الهذلي:

بنو الحرب أرضعنا لهم مقمطرّةفمن تلق منا ذلك اليوم يهرب

{ فَوَقَاهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } الذي يخافون { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً } في وجوههم { وَسُرُوراً } في قلوبهم { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } على طاعة الله وعن معصيته، وقال الضحاك: على الفقر. القرطبي: على الصوم. عطاء: على الجوع.
وروي سعيد بن المسيب عن عمر قال: سئل رسول الله (عليه السلام) عن الصبر فقال:
"الصبر أربعة أولها الصبر عند الصدمة الأولى والصبر على أداء الفرائض، والصبر على اجتناب محارم الله، والصبر على المصائب" . { جَنَّةً وَحَرِيراً } قال الحسن: أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير. { مُّتَّكِئِينَ } نصب على الحال { فِيهَا } في الجنة { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } السرر في الحجال لا تكون أريكة إذا اجتمعا. قال الحسن: وهي لغة أهل اليمن كان الرجل العظيم منهم يتخذ أريكة فيقال: أريكه فلان.
وقال مقاتل: الأرائك: السرر في الحجال من الدر والياقوت موضونة بقضبان الذهب والفضة وألوان الجواهر. { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي شتاء ولا قيضاً.
قال قتادة: علم الله سبحانه أن شدّة الحر تؤذي وشدة القرّ تؤذي فوقّاهم الله أذاهما جميعاً، وقال مرة الهمداني: الزمهرير البرد القاطع. مقاتل بن حيّان: هو شي مثل روس الابر ينزل من السماء في غاية البرد. ابن سمعود: هو لون من العذاب وهو البرد الشديد.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا بكر أحمد بن عمران السوادي يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب وسئل عن قوله { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } قال الزمهرير القمر بلغة طي. قال شاعرهم:

وليلة ظلامها قد اعتكرقطعتها والزمهرير ما زهر

أي لم يطلع القمر.
واختلف العلماء في سبب نزول هذه الآيات فقال مقاتل: نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً ويتيماً وأسيراً وكانت قصته.
أخبرنا ابن فتجويه قال: حدّثنا محمد بن خلف بن حيّان قال: حدّثنا إسحاق بن محمد بن مروان قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا على بن علي بن أبي حمزة الثمالي قال:
"بلغنا أن مسكيناً أتى رسول الله (عليه السلام) فقال: يا رسول الله أطعمني فقال: والذي نفسي بيده ما عندي ما أطعمك ولكن أطلب فأتى رجلاً من الأنصار وهو يتعشى وامرأته فقال له: أني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أطعمني فقال: ما عندي ما أطعمك ولكن أطلب، فقال: الأنصاري لأمرأته: ما ترين؟ فقالت: أطعمه وأسقه ثم أتى رسول الله (عليه السلام) يتيم فقال يا رسول الله أطعمني فقال: ما عندي ما أطعمك ولكن أطلب فأتى اليتيم الأنصاري الذي أتاه المسكين فقال له: أطعمني فقال لامرأته: ما ترين؟ قالت: أطعمه فاطعمه، ثم أتى رسول الله (عليه السلام) أسير فقال: يا رسول الله أطعمني، فقال: والله ما معي ما أطعمك ولكن أطلب فأتى الأسير الأنصاري فقال له: أطعمني، فقال: لامرأته ما ترين فقالت: أطعمه، وكان هذا كلّه في ساعة واحدة، فأنزل الله سبحانه فيما صنع الأنصاري من إطعامه المسكين واليتيم والأسير { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }" .
وقال غيرهما: نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة وجارية لهما يقال لها فضة وكانت القصة فيه.
وأخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن علي الشيباني العدل قراءة عليه في صفر سنة سبع وثمانين وثلثمائة قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محبوب بن حميد النصري قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب الخوار ابن عم الأحنف بن قيس سنة ثمان وخمسين ومائتين وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة قال: حدّثنا القيم بن مهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل بن علي بن مهران الباهلي بالبصرة قال: حدّثنا أبو مسعود عبدالرحمن بن فهد بن هلال قال: حدّثنا الغنيم بن يحيى عن أبي علي القيري عن محمد بن السائر عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أبو الحسن بن مهران وحدّثني محمد بن زكريا البصري قال: حدّثني سعيد بن واقد المزني قال: حدّثنا القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله سبحانه وتعالى { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعادهما عامّة العرب فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء.
فقال علي رضي الله عنه: إن برأ ولداي مما بهما صمتُ ثلاثة أيام شكراً، وقالت فاطمة رضي الله عنها: إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكراً ما لبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي رضي الله عنه إلى شمعون بن جابا الخيبري، وكان يهودياً فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير، وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له: شمعون بن جابا، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من الصوف تغزلها لك بنت محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثة أصوع من الشعير قال: نعم، فأعطاه فجاء بالسوق والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت وأطاعت قالوا: فقامت فاطمة رضي الله عنها إلى صاع فطحنته وأختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصاً وصلى علي مع النبي (عليه السلام) المغرب، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه اذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم من موائد الجنة، فسمعه علي رضي الله عنه فأنشأ يقول:

فاطم ذات المجد واليقينيا ابنة خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكينقد قام بالباب له حنين
يشكوا إلى الله ويستكينيشكوا إلينا جائع حزين
كل امرء بكسبه رهينوفاعل الخيرات يستبين
موعدنا جنة عليينحرمها الله على الضنين
وللبخيل موقف مهينتهوى به النار إلى سجين
شرابه الحميم والغسلينمن يفعل الخير يقم سمين
ويدخل الجنة أي حين

فأنشأت فاطمة:

أمرك عندي يا ابن عمّ طاعهما بي من لؤم ولا وضاعه
غذيت من خبز له صناعةأطعمه ولا أبالي الساعه
أرجو إذ أشبعت ذا المجاعهأن ألحق الأخيار والجماعه
وأدخل الخلد ولي شفاعه

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء القراح، فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع فطحنته فاختبزته وصلّى علي مع النبي (عليه السلام)، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين، استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي رضي الله عنه فأخذ يقول:

فاطم بنت السيد الكريمبنت نبي ليس بالزنيم
لقد أتى الله بذي اليتيممن يرحم اليوم يكن رحيم
موعده في جنّة النعيمقد حرّم الخلد على اللئيم
ألا يجوز الصراط المستقيميزل في النار إلى الجحيم

فأنشأت فاطمة:

أطعمه اليوم ولا أباليوأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أشباليأصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيالللقاتل الويل مع الوبال
تهوى به النار إلى سفالوفي يديه الغل والأغلال
كبوله زادت على الأكبال.

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء القراح، فلمّا كان في اليوم الثالث قامت فاطمة رضي الله عنها إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي (عليه السلام) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسرونا [وتشدوننا] ولا تطعمونا، أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله على موائد الجنة، فسمعه علي فأنشأ يقول:

فاطم يابنة النبي أحمدبنت نبي سيد مسوّد
هذا أسير للنبي المهتدمكبّلٌ في غلّه مقيّد
يشكو إلينا الجوع قد تمددمن يطعم اليوم يجده من غد
عند العلي الواحد الموحّدما يزرع الزارع سوف يحصد

فأنشأت فاطمة تقول:

لم يبق مما جاء غير صاعقد ذهبت كفي مع الذراع
ابناي والله من الجياعيارب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناعيصطنع المعروف بابتداع
عبل الذراعين طويل الباعوما على رأسي من قناع
إلاّ قناعاً نسجه انساع

قال: فاعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء القراح فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم "أخذ علي رضي الله عنه بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع فلمّا نضر به النبي (عليه السلام) قال: يا أبا الحسن ما أشدّ ما يسؤني ما أرى بكم، أنطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رأها النبي(عليه السلام) قال: واغوثاه بالله، أهل بيت محمد يموتون جوعاً فهبط جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد خذها، هنّأك الله في أهل بيتك قال: وما أخذنا يا جبرائيل فاقرأه { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } إلى قوله { وَلاَ شُكُوراً } إلى آخر السورة" .
قتادة بن مهران الباهلي في هذا الحديث: فوثب النبي (عليه السلام) حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي، ثم قال: أنتم من منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم، فهبط جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآيات { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } قال: هي عين في دار النبي (عليه السلام) تفجر إلى دور الأنبياء (عليهم السلام) والمؤمنين.
{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } يقول على شهوتهم للطعام، وإيثارهم مسكيناً من مساكين المسلمين ويتيماً من يتامى المسلمين، وأسيراً من أسارى المشركين، ويقولون إذا أطعموهم { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } قال: والله ما قالوا لهم هذا بألسنتهم، ولكنهم أضمروه في نفوسهم، فأخبر الله سبحانه بإضمارهم يقولون: لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً، فيتمنون علينا به ولكنا أعطيناكم لوجه الله وطلب ثوابه قال الله سبحانه: { فَوَقَاهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً } في الوجوه { وَسُرُوراً } في القلوب { وَجَزَاهُمْ } بما صبروا { جَنَّةً } يسكنونها { وَحَرِيراً } يلبسونه ويفترشونه { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }.
قال ابن عباس: وبينا أهل الجنة في الجنة إذا رأوا ضوءاً كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان لها فيقول أهل الجنة: يا رضوان قال: ربّنا عزّوجل { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } فيقول: لهم رضوان: ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ضحكاً أشرقت الجنان من نور ضحكهما، وفيهما أنزل الله سبحانه: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } إلى قوله: { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }.
وأنشدت فيه:

أنا مولى لفتىأنزل فيه هل أتى

وعلى هذا القول تكون السورة مدنية، وقد اختلف العلماء في نزول هذه السورة فقال مجاهد وقتادة: هي كلّها مدنية، وقال الحسن وعكرمة: منها آية مكيّة وهي قوله سبحانه: { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } والباقي مدني، قال الآخرون: هي كلّه مكيّة والله أعلم.