التفاسير

< >
عرض

فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
٥
خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ
٦
يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ
٧
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
٨
يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ
٩
فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ
١٠
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ
١١
وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ
١٢
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ
١٣
وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ
١٤
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً
١٥
وَأَكِيدُ كَيْداً
١٦
فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً
١٧
-الطارق

الكشف والبيان

{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي من أي شيء خلقه ربُّه، ثم بيّن جل ثناؤه فقال سبحانه وتعالى: { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي مدفوق مصبوب في الرحم وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقولهم سرُّ كاتم، وليلٌ نائم، وهمّ ناصب، وعيشةٌ راضية، قال الفراء: أعان على ذلك أنها رؤوس الآيات التي معّهن.
والدفق: الصب، تقول العرب للموج إذا علا وانحط: تدفق واندفق وأراد من مائين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الولد مخلوق منهما، ولكنه جعله ماء واحداً لامتزاجهما.
{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يعني صلب الرجل وترائب المرأة، واختلفوا في الترائب، فقال ابن عباس: موضع القلادة، الوالي عنه: بين ثدي المرأة، وعن العوفي عنه: يعني بالترائب اليدين والرجلين والعينين، وبه الضحاك، وعن ابن عليّة عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة عن الترائب فقال: هذه ووضع يده على صدره بين ثدييه. سعيد بن جبير: الجيد. ابن زيد: الصدر. مجاهد: ما بين المنكبين والصدر. سفيان: فوق الثديين. يمان: أسفل من التراقي. قتادة: النحر. جعفر بن سعيد: الأضلاع التي أسفل الصلب. ليث عن معمر بن أبي حبيبة المدني قال: عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور من كلام العرب أنهما عظام النحر والصدر، وواحدتها تربية. قال الشاعر:

وبدت كان ترائبا نحرهاجمر الغضا في ساعة يتوقّد

وقال آخر:

والزعفران على ترائبهاشرق به اللَّبات والصدر

وقال المثقب العبدي:

ومن ذهب يسن على تريبكلون العاج ليس بذي غضون

{ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } قال قتادة: إنّ الله سبحانه على بعث الإنسان واعادته بعد الموت قادر، وقال عكرمة: إن الله سبحانه على ردِّ الماء إلى الصلب الذي خرج منه لقادر، وعن مجاهد: على ردِّ النطفة في الإحليل، وعن الضحاك: إنه على ردِّ الإنسان ماء كما كان قبل لقادر، مقاتل بن حيان عنه: يقول: إنّ شئت ردرته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبى، ومن الصبى إلى النطفة، وعن ابن زيد: أنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج.
وأولى الأقاويل: بالصواب تأويل قتادة لقوله تعالى: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي تظهر الخفايا، وقال قتادة ومقاتل وسعيد بن جبير عن عطاء بن أبي رباح: السرائر: فرائض الأعمال كالصّوم والصلاة والوضوء وغسل الجنابة، ولو شاء العبد أن يقول قد صمت وليس بصائم وقد صلّيت ولم يصلّ وقد أغتسلت ولم يغتسل لفعل.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة وابن البواب قال: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن إسماعيل عن ابن زيد { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } قال: السرائر: الصلاة والصيام وغسل الجنابة، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرني عروبة قال: حدّثنا هاشم بن القاسم الحراني قال: حدّثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث من حافظ عليها فهو وليّ الله حقاً، ومن اختانهن فهو عدو الله حقاً، الصلاة والصوم والغسل من الجنابة" .
{ فَمَا لَهُ }: يعني الإنسان الكافر { مِن قُوَّةٍ } تمنعه { وَلاَ نَاصِرٍ }: ينصره { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } أي ترجع بالغيث وأرزاق العباد كلّ عام، لولا ذلك لهلكوا وهلكت معايشهم، وقال ابن عباس: هو السحاب فيه المطر.
وأخبرنا ابن عبدوس قال: أخبرنا ابن محفوظ قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } قال: ذات المطر. { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } قال: النبات، وقال أبو عبيدة: الرجع الماء، وأنشد المنحل الهذلي في صفة السيف:

أبيض كالرجع رسوب إذاما ثاج في محتفل يختلي

وقال ابن زيد: يعني بالرجع ان شمسها وقمرها يغيب ويطلع { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ }، أي ينصدع عن النبات والأشجار والثمار والأنهار، نظيره قوله سبحانه { { شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً } [عبس: 26-28] إلى آخرها، وقال مجاهد: هما السدّان بينهما طريق نافذ مثل [ماري] عرفة.
{ إِنَّهُ }: يعني القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ }: حق وجد وجزل يفصل بين الحق والباطل. { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ }: باللعب والباطل. { إِنَّهُمْ }: يعني مشركي مكّة. { يَكِيدُونَ كَيْداً } { وَأَكِيدُ كَيْداً }: وأريد بهم أمراً. { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }: قليلا فأخذوا يوم بدر.