التفاسير

< >
عرض

وَٱلْفَجْرِ
١
وَلَيالٍ عَشْرٍ
٢
وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ
٣
وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ
٤
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ
٥
-الفجر

الكشف والبيان

{ وَٱلْفَجْرِ } قال ابن عبّاس: يعني النهار كلّه، عطية عنه، صلاة الفجر، عثمان بن محصن عنه: فجر المحرّم ومثله قال قتادة: هو أوّل يوم من المحرّم تتفجر منه السنة. ضحاك: فجر ذي الحجّة؛ لأنّ الله سبحانه قرن الأيّام بها. عكرمة وزيد بن أسلم: الصبح. مقاتل: عداهُ جميع كلّ سنة. القرظي: انفجار الصبح من كلّ يوم إلى انقضاء الدُّنيا. في بعض التفاسير: أنّ الفجر الصخور والعيون تتفجّر بالمياه.
{ وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال مجاهد وقتادة والضحّاك والكلبي والحلبي: هي عشر ذي الحجّة، عكرمة: ليالي الحجّ، وقال مسروق: هي أفضل أيّام السنة. أبو روق عن الضحّاك: هي العشر الأُول من شهر رمضان، أبو ظبيان عن ابن عبّاس قال: هي العشر الأواخر من شهر رمضان، يمان بن رباب: العشر الأُولى من المحرّم التي عاشرها يوم عاشوراء.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا بن حمدان قال: حدّثنا موسى بن إسحاق الأنصاري قال: حدّثنا منجاب بن الحرث قال: أخبرنا بشر بن عمارة قال: حدّثنا عمر بن حسّان عن عطية العوفي في قوله سبحانه: { وَٱلْفَجْرِ } قال: هو الفجر الذي تعرفون، قلت: { وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال: عشر الأضحى، قلت: { وَٱلشَّفْعِ } قال: خَلْقه، يقول الله سبحانه:
{ { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [النبأ: 8]، قلت: { وَٱلْوَتْرِ } قال: الله وتر، قلت له: هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قلت: عمّن؟ قال: عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن نصرويه قال: حدّثنا ابن وهب قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن سعيد القطان وعبدة بن عبد الله بن النعمان قالا: حدّثنا أبو الحسين زيد بن الحبّاب العكلي قال: حدّثنا عبّاس بن عقبة قال: حدّثني حسين بن نعيم الحضرمي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله سبحانه: { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال: عشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر" .
وبه عن ابن وهب قال: حدّثنا يوسف بن عبد الرحمن قال: حدّثنا سعيد بن مسلمة الأُموي قال: حدّثنا واصل بن السائب الرقاشي قال: حدّثني أبو سودة قال: حدّثني أبو أيّوب الأنصاري قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه وتعالى: { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } قال: الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر" .
وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل الفهندري قال: حدّثنا أبو الطاهر المحمد آبادي قال: حدّثنا عثمان بن سعيد قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا خالد بن قيس وهمام بن يحيى قالا: حدّثنا قتادة عن عمران بن عاصم عن عمران بن حصين "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن الشفع والوتر فقال: هي الصلاة منها الشفع ومنها الوتر" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن لؤلؤ قال: حدّثنا الهيثم قال: حدّثنا الدوّرقي قال: حدّثنا حجّاج عن ابن جريح قال: أخبرني محمد بن المرتفع أنّه سمع ابن الزبير يقول: والشفع النفر الأوّل والوتر [يوم] النفر الآخر.
وأخبرني الحسن قال: حدّثنا محمّد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا أحمد بن كثير القيسي قال: حدّثنا محمد بن عبد الله المقرئ قال: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي سعيد بن عوف قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول على المنبر: يا معشر الحاجّ إنّكم جئتم من القريب والبعيد على الضعيف والشديد، فأسهرتم الأعين وأنصبتم الأنفس وأتعبتم الأبدان، فلا يبطلنّ أحدكم حجّه وهو لا يشعر، ينظر نظرة بعينه أو يبطش بطشة بيده، أو يمشي مشية برجله.
يا أهل مكّة وسّعوا عليهم ما وسّع الله عليكم وأعينوهم ما استعانوكم عليه، فإنّهم وفد الله وحاجّ بيت الله ولهم عليكم حقّ، فاسألوني فعلينا كان التنزيل، ونحن حصرنا التأويل، فقام إليه رجل من ناحية زمزم فقال: دخلت فأرة جرابي وأنا محرم؟ فقال: اقتلوا الفويسقة، فقام آخر فقال: أخبرنا بالشفع والوتر والليالي العشر فقال: أمّا الشفع والوتر فقول الله سبحانه:
{ { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 203] فهما الشفع والوتر، وأمّا الليالي العشرة فالثمان وعرفة والنحر، فقام آخر فقال: أخبرنا عن يوم الحجّ الأكبر؟ فقال: هو يوم النحر ثلاث تتلوها.
وقال مجاهد ومسروق وأبو صالح: الشفع الخلق كلّه، قال الله سبحانه:
{ { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49] الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والبرّ والبحر والشمس والقمر والجنّ والإنس، والوتر الله سبحانه، قال الله تعالى: { { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1].
الحسن وابن زيد: أراد بالشفع والوتر الخلق كلّه، منه شفع ووتر.
عطية عن ابن عبّاس: الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب. قتادة عن الحسن: هو العدد منه شفع ومنه وتر. مقاتل: الشفع هو آدم وحواء، والوتر هو الربّ تبارك وتعالى، وقيل: الوتر آدم شفّعه الله بزوجته حواء.
إبراهيم والقرظي: الزوج والفرد. الربيع عن أبي العالية: الشفع ركعتان من صلاة المغرب والوتر الركعة الثالثة، وقيل: الشفع الصفا والمروة والوتر البيت، الحسين بن الفضل: الشفع درجات الجنان؛ لأنّها ثمان والوتر دركات النار؛ لأنّها سبع، كأنّه الله - سبحانه وتعالى - أقسم بالجنّة والنار.
مقاتل بن حيان: الشفع الأيّام والليالي، والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع الشجري يقول: سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول: سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الوتر هو الله عزّوجلّ وهو الشفع أيضاً؛ لقوله:
{ { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7] وسمعت أبا القاسم يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يزيد يقول: سمعت أبا عبد الله بن أبي بكر الورّاق يقول: سُئل أبو بكر عن الشفع والوتر فقال: الشفع تضاد أوصاف المخلوقين العزّ والذلّ والقدرة والعجز والقوّة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى، والوتر انفراد صفات الله سبحانه عزٌّ بلا ذلّ، وقدرة بلا ضعف، وعِلم بلا جهل، وبصر بلا عمى وحياة بلا موت وما إزاءها.
وقيل: الشفع مسجد مكّة والمدينة، والوتر مسجد بيت المقدس، وقيل: الشفع القرآن في الحجّ والتمتّع فيه، والوتر الإفراد فيه، وقال ابن عطاء { وَٱلْفَجْرِ } محمّد صلّى الله عليه؛ لأنّ به تفجّرت أنوار الإيمان وغابت ظُلَم الكفر.
{ وَلَيالٍ عَشْرٍ } ليالي موسى التي أكمل بها ميعاده بقوله تعالى:
{ { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [الأعراف: 142]، والشفع: الخلق والوتر: الحقّ، وقيل: الشفع الفرائض والوتر السنن، وقيل: الشفع الأفعال والوتر النيّة، وهو الإخلاص، وقيل: الشفع العبادة التي تتكرّر، كالصلاة والصوم والزكاة، والوتر: العبادة التي لا تتكرّر كالحجّ، وقيل: الشفع النفس والروح إذا كانتا معاً، والوتر الروح بلا نفس والنفس بلا روح، فكأنّ الله سبحانه أقسم بها في حالتي الاجتماع والافتراق.
واختلف القرّاء في الوتر، فقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: بكسر الواو، وهو اختيار أبي عبيد، قال: لأنّها أكثر في العامّة وأفشى، ومع هذا إنّا تدبّرنا الآثار التي جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدنا كلّها بهذه اللغة ولم نسمع في شيء منه الوتر بالفتح، ووجدنا المعنى في الوتر جميعاً الذي في الصلاة والذي في السورة، وإن تفرّقا في الفرع فإنّهما في الأصل واحد إنّما تأويله الفرد الذي هو ضدّ الشفع، وقرأ الباقون بفتح الواو، وهي لغة أهل الحجاز واختيار أبي حاتم وهما لغتان مستفيضتان.
{ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } قال أكثر المفسّرين: يعني إذا سار فذهب، وقال قتادة: إذا جاء وأقبل. قال مجاهد وعكرمة والكلبي: هي ليلة المزدلفة.
واختلف القرّاء في قوله: { يَسْرِ } فقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعيسى بالياء في الوصل، وهي اختيار أبي حاتم ورواية قتيبة ونصير والشرياني عن الكسائي قال أبو عبيد: كان الكسائي فترة يقول: أثبت الياء بالوصل واحذفها في الوقف لمكان الكتاب، ثمّ رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعاً؛ لأنّها رأس آية، وهي قراءة ابن عامر وعاصم واختيار أبي عبيد اتباعاً للخط، وقرأ ابن كثير ويعقوب الياء في الحالين على الأصل، قال الخليل بن أحمد: أسقط الياء منه وفاقاً لرؤوس الآي.
وقال أكثر أهل المعاني: يعني يسري فيه كقولهم: ليلٌ نائم ونهارٌ صائم وسر كاتم. قال الفراء: يحذف العرب الياء ويكتفي بكسر ما قبلها. أنشدني بعضهم:

كفّاك كفّ ما تلقي درهماجوداً وأُخرى تعط بالسيف الدما

وقال آخر:

ليس يخفى سادتي قدر قومولعل يخف سئمتي إعساري

وقال المؤرّخ: سألت الأخفش عن العلّة في سقوط الياء من يسر، فقال: لا أُجيبك ما لم تبت على باب داري سنة. فبتُّ سنة على باب داره ثمّ سألته فقال: الليل لا يسري، وانّما يُسرى فيه وهو مصروف فلمّا صرفه بخسه حظّه من الإعراب، ألا ترى إلى قوله: { { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [مريم: 28]؟ ولم يقل بغية؛ لأنّه صرّفه من باغية.
{ هَلْ فِي ذَلِكَ } الذي ذكرت { قَسَمٌ } أي مقنع ومكتف في القسم { لِّذِى حِجْرٍ } عقل سمّي بذلك؛ لأنّه يحجر صاحبه ممّا لا يحلّ ولا يجمل كما سمّي عقلاً؛ لأنّه يعقله عن القبائح والفضائح، ونهيٌ لأنّه نهى عمّا لا ينبغي، وأصل الحجر المنع، يقال للرجل إذا كان مالكاً قاهراً ضابطاً له: إنّه لذو حجر، ومنه قولهم: حجر الحاكم على فلان.