{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } النهار فيذهب بضوءه { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } يعني ومن خلق.
أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن: أنه كان يقرأ: وما خلق الذكر والأنثى، فيقول: والذي خلق، قال هارون قال أبو عمر وأهل مكة: يقول للرعد: سبحان ما سبّحت له. وقيل: وخلق الذكر والأنثى، وذكر أنّها في قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء: والذكر والأنثى.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: أخبرنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا أبو معونة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قدمنا الشام، فأتانا أبو الدرداء، فقال: أمنكم أحد يقرأ عليّ قراءة عبد الله؟ قال: فأشاروا إليّ، فقلت: نعم أنا، فقال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية، { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ }؟ قال: قلت: سمعته يقرأها (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى).
قال لنا: والله هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها وهؤلاء يريدونني أن أقرأ { وَمَا خَلَقَ } فلا أُتابعهم.
{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } إنّ عملكم لمختلف [وقال عكرمة وسائر المفسرين: السعي: العمل]، فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها، يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والناس عاذيان فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها" .
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } ماله في سبيل الله { وَٱتَّقَىٰ } ربّه واجتنب محارمه { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } اي بالخلف أيقن بأن الله سبحانه سيخلف هذه، وهذه رواية عكرمة وشهر بن حوشب، عن ابن عباس، يدلّ عليه ما أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم، عن محمد بن جرير قال: حدّثني الحسن بن أبي سلمة بن أبي كبشة قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدّثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال: حدّثنا خليل العصري، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم غربت شمسه إلاّ وبعث بجنبتها ملكان يناديان، يسمعهما خلق الله تعالى كلهم إلاّ الثقلين، اللهم أعطِ منفقاً خلفا وأعطِ ممسكاً تلفاً، فأنزل في ذلك القرآن، فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى الى قوله للعسرى" .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحّاك: وصدّق بالحسنى، بـ (لا إله إلاّ الله). وهي رواية عطية، عن ابن عباس. وقال مجاهد: بالجنة، ودليله قوله سبحانه { { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: بموعود الله الذي وعده أن يثيبه.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ } فسنهيّئه في الدنيا، تقول العرب: يسّرت غنم فلان إذا ولدت أو تهيّأت للولادة، قال الشاعر:
هما سيدانا يزعمان وإنمايسوداننا إن يسّرت غنماهما
{ لِلْيُسْرَىٰ } للخلّة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله سبحانه، وقيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ } بالنفقه في الخير { وَٱسْتَغْنَىٰ } عن ربّه فلم يرغب في ثوابه { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي للعمل بما لا يرضى الله حتى يستوجب به النار، فكأنه قال: نخذله ونؤذيه إلى الأمرّ العسير، وهو العذاب. وقيل: سندخله جهنم، والعسرى اسم لها.
فإنْ قيل: فأي تيسير في العسرى؟ قيل: إذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والآخر ذكر الشر جاز ذلك، كقوله: { { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21] [التوبة: 34] [الانشقاق: 24].
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان محمد بن صي قال: حدّثنا شعبة، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي،عن علي بن أبي طالب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فأخذ عوداً فجعل ينكث في الأرض، فقال: ما منكم من أحد إلاّ قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكّل؟ فقال اعملوا فكلٌّ ميسّر، ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } الآيات" .
{ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } قال مجاهد: مات، وقال قتادة وأبو صالح: هو لحد في جهنم، قال الكلبي: نزلت في أبي سفيان بن حرب.
{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } أي بيان الحق من الباطل، وقال الفرّاء: يعني من سلك الهدى فعلى الله سبيله، كقوله سبحانه: { { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [النحل: 9]، يقول: من أراد الله فهو على السبيل القاصد. وقيل: معناه: إنّ علينا للهدى والإضلال، كقوله: بيدك الخير وسرابيل تقيكم الحر.
{ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } فمن طلبها من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق.