التفاسير

< >
عرض

وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ
١
وَطُورِ سِينِينَ
٢
وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ
٣
لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
٤
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ
٥
إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٦
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ
٧
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ
٨
-التين

الكشف والبيان

{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي: هو تينكم هذا الذي تأكلون، وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا السُني قال: وجدت في كتاب أبي: حدّثنا القاسم بن أبي الحسين الزبيدي قال: حدّثنا سهل بن إبراهيم الواسطي، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني الثقة عن أبي ذر قال:
"أُهدي للنبيّ صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: كلوا، ثم قال: لو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت: هذه، لأنّ فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس" .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب قال: حدّثنا العباس بن أحمد بن علي قال: حدّثنا معلل بن نقيل الحداني قال: حدّثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، "عن عبد الرحمن بن غنم قال: سافرت مع معاذ بن جبل، [فكان يمرّ] بشجرة الزيتون فيأخذ منها القضيب فيستاك به ويقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول] نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة، يطيّب الفم، ويذهب بالجفر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي مسواكي ومسواك الأنبياء قبلي" .
وقال كعب الأحبار وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن غنيم: التين: مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس. عن الضحّاك: هما مسجدان بالشام. عن محمد بن كعب: التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد إيليا، ومجازه على هذا التأويل: منابت التين والزيتون. أبو مكين، عن عكرمة: جبلان. عن عطية، عن ابن عباس: التين: مسجد نوح الذي [بناه] على الجودي، والزيتون: بيت المقدس. عن نهشل، عن الضحّاك: التين: المسجد الحرام.
والزيتون: المسجد الأقصى.
وسمعت محمد بن عبدوس يقول: سمعت محمد بن الحميم يقول: سمعت الفرّاء يقول: سمعت رجلا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال: التين: جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون: جبال الشام.
{ وَطُورِ سِينِينَ } يعني جبل موسى، قال عكرمة: السينين: الجسر بلغة الحبشة. الحكم والنضر عنه: كلّ جبل ينبت فهو طور سينين، كما ينبت في السهل كذلك ينبت في الجبل، وعن مجاهد: الطور الجبل، وسينين: المبارك. وعن قتادة: المبارك الحسن.
عن مقاتل: كل جبل فيه شجرة مثمرة فهو سينين وسينا وهو بلغة النبط. عن الكلبي: يعني الجبل المشجر. عن شهر بن حوشب: التين: الكوفة، والزيتون: الشام، وطور سينين: جبل فيه ألوان الأشجار.
قال عبد الله بن عمر: أربعة أجبال مقدّسة بين يدي الله سبحانه، طور تينا وطور زيتا وطور سينا وطور يتمانا، فأما طور تينا فدمشق، وأما طور زيتا فبيت المقدس، وأما طور سينا فهو الذي كان عليه موسى، وأما طور يتمانا فمكة.
أخبرنا أبو سفيان الحسين بن محمد بن عبد الله المقري قال: حدّثنا البغوي ببغداد قال: حدّثنا ابن أبي شيبة قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا وكيع عن أبيه وسفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرأ بمكة في المغرب: والتين والزيتون وطور سيناء، قال: فظننت أنه إنما يقرؤها ليعلم حرمة البلد.
{ وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } الآمن، يعني مكة، وأنشد الفرّاء:

ألم تعلمي يا أسم ويحك أننيحلفت يميناً لا أخون أميني

يريد آمني.
{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل شي منكبّاً على وجهه إلاّ الإنسان. وقال أبو بكر بن ظاهر: مزيناً بالعقل، مؤدّباً بالأمر، مهذّباً بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده.
{ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } يعني إلى أرذل العمر، ينقص عمره ويضعف بدنه ويذهب عقله.
قال ابن عباس: [إنّ] نفراً ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذرهم وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم.
قال عكرمة: لم يضرّ هذا الشيخ الهرم كبره إذا ختم الله تعالى له بأحسن ما كان يعمل. قال أهل المعاني: السافلون: الضعفى والهرمى والزمنى، فقوله (أسفل سافلين) نكرة تعمّ الجنس، كما تقول: فلان أكرم قائم، فإذا عرّفت قلت: القائمين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن مهران قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفراي قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا خالد الزيات قال: حدّثنا داوّد ابو سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمّر بن حزم الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، فإن عمل سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم، أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه ويسدّدانه، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله سبحانه من البلايا الثلاث: من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه فيما يحب، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفّعه في أهل بيته، وكان اسمه أسير الله في الأرض، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، كتب الله سبحانه له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه" .
وقال الحسن ومجاهد وقتادة: يعني ثم رددناه الى النار. وقال أبو العالية: يعني إلى النار في شر صورة، في صورة خنزير.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن حواس قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي قال: أبواب جهنم بعضها أسفل من بعض، فيبدأ بالأسفل فيُملأ، فهي أسفل السافلين، وفي مصحف عبد الله، (أسفل السافلين) بالألف. ثم استثنى فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يعني ثم رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم، فلا تثبت لهم حسنة { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } منهم، فأنه يكتب لهم في حال هرمهم وخرفهم مثل الذي كانوا يعملونه في حال شبابهم وصحتهم وقوّتهم، فذلك قوله سبحانه { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال الضحّاك: أجر بغير عمل، ثم قال: إلزاماً للحجة وتوبيخاً للكافر.
{ فَمَا يُكَذِّبُكَ } أيها الإنسان بعد هذه الحجة والبرهان { بِٱلدِّينِ } بالحساب والجزاء.
{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } قال قتادة:
"بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين" .