التفاسير

< >
عرض

أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
-العاديات

الدر المصون

قوله: { إِذَا بُعْثِرَ }: في العاملِ فيها أوجهٌ أحدُها: "بُعْثِرَ" نقله مكي عن المبرد وتقدَّم تحريرُ هذا قريباً في السورةِ قبلَها. والثاني: أنه ما دَلَّ عليه خبرُ "إنَّ" أي: إذا بُعْثر جُوزوا. والثالث: أنه "يَعْلَمُ"، وإليه ذهب الحوفيُّ وأبو البقاء. ورَدَّه مكيُّ قال: "لأنَّ الإِنسانَ لا يُرادُ منه العِلْمُ والاعتبارُ ذلك الوقتَ، وإنما يَعْتَبِرُ في الدنيا ويعلَمُ" وقال الشيخ: "وليس بمتَّضِحٍ لأنَّ المعنى: أفلا يعلَمُ الآن.
وكان قد قال قبل ذلك: "ومفعولُ يَعْلَمُ محذوفٌ وهو العاملُ في الظرفِ، أي: أفلا يعلم مآلَه إذا بُعْثِرَ" انتهى. فجَعَلَها متعديةً في ظاهرِ قولِه إلى واحدٍ، وعلى هذا فقد يُقال: إنها عاملةٌ في "إذا" على سبيلِ أنَّ "إذا" مفعولٌ به لا ظرفٌ إذ التقديرُ: أفلا يَعْرِفُ وقتَ بَعْثَرَةِ القبورِ. يعني أَنْ يُقِرَّ بالبعثِ ووقتِه، و"إذا" قد تصر‍َّفَتْ وخَرَجَتْ عن الظرفيةِ، ولذلك شواهدُ تقدَّم ذِكْرُها في غضونِ هذا التصنيفِ. الرابع: أنَّ العاملَ فيها محذوفٌ، وهو مفعولٌ "يَعْلَمُ" كما تقدَّم تقريرُه، أي: يعلمُ مآلَه إذا بُعْثِرَ. ولا يجوزُ أن يعملَ فيه "لَخبيرٌ" لأنَّ ما في حَيِّز "إنَّ" لا يتقدَّمُ عليها.
وقرأ العامَّةُ "بُعْثِرَ" بالعين مبنياً للمفعولِ. والموصولُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ. وابن مسعودٍ بالحاء. وقرأ الأسود بن يزيد ومحمد بن معدان "بُحِثَ" من البحث. ونصر بن عاصم "بَعْثَرَ" مبنياً للفاعل وهواللَّهُ تعالى أو المَلَكُ. والعامَّةُ "حُصِّل" مبنياً للمفعولِ كالذي قبلَه. ويحيى بن يعمر ونصرُ بن عاصم وابن معدان "حَصَّلَ" مبنياً للفاعلِ. ورُوِي عن ابن يعمرَ ونصرٍ أيضاً "حَصَلَ" خفيفةَ الصادِ مبنياً للفاعل بمعنى: جَمَعَ ما في الصحفِ تَحَصُّلاً، والتحصيلُ: جَمْعُ الشيء، والحُصولُ اجتماعُه. وقيل: التحصيلُ التمييزُ. ومنه قيل للمُنْخُل: مُحَصِّل. وحَصَل الشيءُ مخفَّفاً: ظَهَر واستبانَ، وعليه القراءةُ الأخيرةُ.