التفاسير

< >
عرض

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
١٠٠
-يوسف

الدر المصون

وقوله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ }: من باب التغليب، يريد أباه وأمَّه ـ أو خالتَه ـ. و "سُجَّداً" حال. قال أبو البقاء: "حالٌ مقدرة؛ لأنَّ السجود يكون بعد الخُرور" وفيه نظرٌ لأنه متصلٌ به غيرُ متراخٍ عنه.
قوله: { مِن قَبْلُ } يجوز أنْ يتعلق بـ"رُؤْياي"، أي: تأويل رُؤْياي في ذلك الوقت. ويجوز أنْ يكونَ العاملُ فيه "تَأْويل" لأنَّ التأويلَ كان مِنْ حينِ وقوعِها هكذا، والآن ظهرَ له، ويجوز أن يكونَ حالاً مِنْ "رُؤْياي" قاله أبو البقاء، وقد تقدم أنَّ المقطوعَ عن الإِضافةِ لا يقع حالاً.
قوله: { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي } حالٌ من "رؤياي" ويجوز أن تكون مستأنفة. وفي "حقاً" وجوه أحدُها: أنه حال. والثاني: أنه مفعولٌ ثان. والثالث: أنه مصدرٌ مؤكد للفعل من حيث المعنى، أي: حَقَّقها ربي حَقَّاً بجَعْلِه.
قوله: { أَحْسَنَ بَيۤ } "أَحْسَنَ" أصله أن يتعدَّى بـ"إلى". قال:
{ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [القصص: 77] فقيل: ضُمِّن معنىٰ لَطُف فتعدَّىٰ بالباء كقوله: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة: 83] وقولِ كثيِّر عَزَّة:

2834 ـ أَسِيْئِي بنا أو أَحْسِني لا مَلُوْمَةً لَدَيْنَا ولا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ

وقيل: بل يَتَعَدَّىٰ بها أيضاً. وقيل: هي بمعنى "إلىٰ". وقيل: المفعولُ محذوفٌ: "أَحْسَنَ صُنْعَه بي"، فـ"بي" يتعلَّق بذلك المحذوفِ، وهو تقدير أبي البقاء. وفيه نظر؛ من حيث حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معموله، وهو ممنوعٌ عند البصريين. و "إذ" منصوبٌ بـ"أَحْسَنَ" أو المصدرِ المحذوف قاله أبو البقاء، وفيه النظر المتقدم.
والبَدْوُ: ضد الحضارة وهو مِن الظهور، بدا يبدو: إذا سكن البادية، "إذا بَدَوْنا جَفَوْنا" يُرْوَىٰ عن عمر، أي: تخلَّقْنا بأخلاقِ البدويين.
قوله: { لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ } لَطُفَ أصلُه أن يتعدَّى بالباء، وإنما تَعَدَّىٰ باللام لتضمُّنِه معنىٰ مُدَبِّر، أي: أنت مُدَبِّر بلطفك لِما تَشاء.