قوله تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ }: "مَنْ" موصولةٌ، صلتُها "هو قائم" والموصولُ مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه محذوفٌ تقديرُه: كمَنْ ليس كذلك مِنْ شركائِهم التي لا تَضُرُّ ولا تنفع. ودلَّ على هذا المحذوفِ قولُه { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } ونحوُه قولُه تعالى: { { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الزمر: 22] تقديره: كَمَنْ قَسا قلبُه، يَدُلُّ عليه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } وإنما حَسَّن حَذْفَه كونُ الخبرِ مقابلاً للمبتدأ. وقد جاء منفياً كقولِه { { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل: 17] { { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [الرعد: 19].
قوله: { وَجَعَلُواْ } يجوز أن يكونَ استئنافاً وهو الظاهرُ، جيءَ به للدلالةِ على الخبرِ المحذوفِ كما تقدم تقريرُه. وقال الزمخشري: "ويجوز أَن يُقَدَّر ما يقع خبراً للمبتدأ، ويُعْطَفَ عليه و"جعلُوا"، وتمثيلُه: أفَمَنْ هو بهذه الصفةِ لم يوحِّدوه،/ وجعلوا له وهو اللهُ الذي يستحقُّ العبادةَ وحدَه شركاءَ. قال الشيخ: " وفي هذا التوجيهِ إقامةُ الظاهر مُقامَ المضمر في قوله "وجعلوا لله: أي له"، وفيه حَذْفُ الخبرِ عن المقابل، وأكثرُ ما جاء هذا الخبرُ مقابلاً". وقيل: الواو للحال والتقدير: اَفَمَنْ هو قائمٌ على نفسٍ موجودٌ، والحالُ أنهم جعلوا له شركاءَ، فَأُقيم الظاهرُ -وهو الله- مُقامَ المضمرِ، تقريراً للإِلهية وتصريحاً بها.
وقال ابن عطيَّة: "ويظهر أن القولَ مرتبطٌ بقوله: { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } كأن التقديرَ: أَفَمَنْ له القدرةُ والوحدانيةُ، ويُجْعَلُ له شريكٌ، أَهْلٌ أن ينتقمَ ويعاقِبَ أم لا". وقيل: "وجعلوا" عطفٌ على "استُهزِئ" بمعنى: ولقدِ استهزَؤُوا وجعلوا.
وقال أبو البقاء: "وهو معطوفٌ على "كَسَبَت"، أي: وبجَعْلِهم لله شركاءَ".
قوله: { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } أم هذه منقطعةٌ مقدَّرةٌ بـ "بل" والهمزةِ، والاستفهامُ للتوبيخ: بل أتُنَبِّئونه شركاء لا يعلمهم في الأرض، ونحوُه: { { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 18]، فجعل الفاعلَ ضميراً عائداً على الله، والعائدُ على "ما" محذوفٌ، تقديرُه: بما لا يعلمُهُ اللهُ، وقد تقدَّم في تلك الآيةِ أنَّ الفاعلَ ضميرٌ يعودُ على "ما" وهو جائزٌ هنا أيضاً.
قوله: { أَم بِظَاهِرٍ } الظاهرُ أنها منقطعة. و "الظاهر" هنا قيل: الباطلُ. وأنشدوا:
2862- أَعَيَّرْتَنا ألبانَها ولحومَها وذلك عارٌ يا بنَ رَيْطَةَ ظاهِرُ
أي باطِلٌ، وفَسَّره مجاهدٌ "بكذبٍ" وهو موافقٌ لهذا. وقيل: "أم" متصلةٌ، أي: اتنبئونه بظاهرٍ لا حقيقةَ له.
قوله: { وَصُدُّواْ } قرأ الكوفيون "وصُدُّوا" مبنياً للمفعول، وفي غافر { { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الآية: 37] كذلك. وباقي السبعة مبنيِّين للفاعل. و "صَدَّ" جاء لازماً ومتعدياً فقراءةُ الكوفةِ من المتعدِّي فقط، وقراءةُ الباقين تتحمل أن يكونَ من المتعدِّي ومفعولُه محذوفٌ، أي: وصَدُّوا غيرَهم أو أنفسَهم، وأن يكونَ مِنَ اللازم، أي: أَعْرَضوا وتَوَلَّوا.
وقرأ ابنُ وثاب "وصِدُّوا" و { وصِدَّ عن السبيل } بكسرِ الصاد، وهو مبنيٌّ للمفعول، اجراه مُجْرى قِيْل وبِيْع، فهو كقراءة { رِدَّت إلينا }، [وقوله:]
2863- وما حِلَّ مِنْ جهلٍ حُبا حُلَمائِنا .....................
وقد تقدم.