التفاسير

< >
عرض

فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٤
-الحجر

الدر المصون

قوله تعالى: { فَٱصْدَعْ }: أصلُ الصَّدْعِ: الشَّقُّ: صَدَعْتُه فانصَدَعَ، أي: شَقَقْتُه فانْشَق، ومنه التفرقةُ أيضاً كقوله: { { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43].
وقال:

2955- ........................... كأنَّ بياضَ غِرَّتِه صَدِيعُ

والصَّديعُ: ضوء الفجر لانشقاقِ الظلمةِ عنه، ومعنى "فاصدَعْ": فافرُقْ بين الحقِّ والباطلِ وافْصِلْ بينهما. وقال الراغب: "الصَّدْعُ شِقٌّ في الأجسامِ الصُّلْبة كالزُّجَاج والحديد، وصَدَّعْتُه بالتشديد فتصَدَّع، وصَدَعْتُه بالتخفيفِ فانْصَدَع، وصُداع الرأسِ منه لتوهُّمِ الانشقاقِ فيه، وصَدَعْتُ الفَلاةَ، أي: قطعتُها" مِنْ ذلك، كأنه تَوَهَّم تفريقَها.
و"ما" في "بما تُؤْمَر" مصدريةٌ أو بمعنى الذي، والأصلُ: تُؤْمَر به، وهذا الفعلُ يَطَّرِدُ حَذْفُ الجارِّ معه، فَحَذْفُ العائدِ فصيحٌ، وليس هو كقولك "جاء الذي مررت" ونحوُه:

2956- أَمَرْتُكَ الخيرَ فافعَلْ ما أُمِرْتَ به ................................

والأصل: بالخير. وقال الزمخشري: "ويجوز أن تكونَ "ما" مصدريةً، أي: بأَمْرِك، مصدرٌ من المبني للمفعول". انتهى. وهو كلامٌ صحيحٌ. ونَقَل الشيخُ عنه أنه قال: "ويجوز أن يكونَ المصدرُ يُراد به "أَنْ" والفعلِ المبنيِّ للمفعول". ثم قال الشيخ: "والصحيحُ أنَّ ذلك لا يجوز". قلت: الخلافُ إنما في المصدرِ المُصَرَّح به: هل يجوز أن يَنْحَلَّ لحرفٍ مصدريٍ وفعلٍ مبني للمفعول أم لا يجوزُ ذلك؟ خلافٌ مشهور، أمَّا أنَّ الحرفَ المصدريَّ هل يجوزُ فيه أن يُوْصَلَ بفعل مبني للمفعول نحو: "يُعجبني أن يُكْرَمَ عمرٌو" أم لا يجوز؟ فليس محلَّ النِّزاعِ.