التفاسير

< >
عرض

لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ
٢٥
-النحل

الدر المصون

قوله تعالى: { لِيَحْمِلُواْ }: في هذه اللام ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها لامُ الأمرِ الجازمةُ على معنى الحَتْمِ عليهم، والصِّغارِ الموجبِ لهم، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ عند قولِه "الأوَّلين"، ثم اسْتُؤْنِف أَمْرُهم بذلك. الثاني: أنها لامُ العاقبة، أي: كان عاقبةُ قولِهم ذلك، لأنهم لم يقولوا "أساطير" لِيَحْمِلوا، فهو كقولِه تعالى { { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]، وقوله:

2970- لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ ...................................

الثالث: أنَّها للتعليل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه تعليلٌ مجازيٌّ. قال الزمخشري: "واللامُ للتعليلِ مِنْ غيرِ أن يكونَ غرضاً نحو قولِك: خرجْتُ من البلد مخافةَ الشرِّ". والثاني: أنه تعليلٌ حقيقةً. قال ابن عطية: - بعد حكاية وجهِ لامِ العاقبة - "ويُحتمل أن تكونَ صريحَ لامِ كي، على معنى: قَدَّر هذا لكذا" انتهى. لكنه لم يُعَلِّقُها بـ "قالوا" إنما قَدَّرَ لها علةَ "كيلا"، وهو قَدَّر هذا، وعلى قول الزمخشري يتعلَّقُ بـ "قالوا"؛ لأنها ليست لحقيقةِ العلَّةِ. و"كاملةً" حالٌ.
قوله: { وَمِنْ أَوْزَارِ } فيه وجهان، أحدهما: أنَّ "مِن" مزيدةٌ، وهو قولُ الأخفش، أي: وأوزار الذين على معنى: ومثل أوزارِ، كقولِه: كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها". والثاني: أنها غيرُ مَزيدةٍ وهي للتبعيضِ، أي: وبعض أوزارِ الذين. وقدَّر أبو البقاء مفعولاً حُذِف وهذه صفتُه، أي: وأوزاراً مِنْ أوزارِ، ولا بدَّ مِنْ حذف "مثل" أيضاً.
وقد منع الواحديُّ أن تكونَ "مِنْ" للتبعيض قال: "لأنه يَسْتلزِمُ تخفيفَ الأوزارِ عن الأتباع، وهو غيرُ جائزٍ لقوله عليه السلام
"من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيءٌ" لكنها للجنس، أي: ليحملوا من جنس أوزارِ الأتباع". قال الشيخ: "والتي لبيانِ الجنسِ لا تتقدَّر هكذا، إنما تتقدَّر: والأوزار التي هي أوزارُ الذين، فهو من حيث المعنى كقول الأخفش، وإن اختلفا في التقدير".
قوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حالٌ، وفي صاحبِها وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ "يُضِلُّونهم"، أي: يُضِلُّون مَنْ لا يعلم أنهم ضُلاَّلٌ، قاله الزمخشري. والثاني: أنه الفاعل، ورُجِّح هذا بأنه هو المُحدَّث عنه. وقد تقدَّم الكلامُ في إعرابِ نحو "ساءَ ما يَزِرون"، وأنها قد تجري مَجْرى بِئْس.