التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
-النحل

الدر المصون

قوله تعالى: { حَسَنَةً } فيها أوجهٌ، أحدُها: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: تَبْوِئَةً حسنةً. والثاني: أنها منصوبةٌ على المصدر الملاقي لعامِله في المعنى؛ لأنَّ معنى "لَنُبَوِّئَنَّهم": لَنُحْسِنَنَّ إليهم. الثالث: أنها مفعولٌ ثانٍ لأنَّ الفعلَ قبلها مضمِّنٌ معنى: "لَنُعْطِيَنَّهم. و"حسنة" صفةً لموصوفٍ محذوفٍ، أي: داراً حسنة، وفي تفسيرِ الحسن: داراً حسنة، وهي المدينةُ. وقيل: تقديره: منزلةً حسنةً وهي الغَلَبَةُ على أهلِ المشرقِ والمغربِ وقيل: "حسنة" بنفسها هي المفعولُ من غيرِ حَذْفِ موصوفٍ.
وقرأ أميرُ المؤمنين وابنُ مسعود ونعيم بن ميسرة: "لَنُثْوِيَنَّهُمْ" بالثاء المثلثة والياء، مضارع أَثْوَى المنقولِ بهمزةِ التعديةِ مِنْ ثَوَى بمعنى أقام، وسيأتي أنه قُرئ بذلك في السبع في العنكبوت، و"حسنةً" على ما تقدَّم. ونزيد أنه يجوز أن يكونَ على نَزْع الخافضِ، أي: في حسنة.
والموصولُ مبتدأٌ، والجملةُ مِنَ القسمِ المحذوفِ وجوابِه خبرُه، وفيه رَدٌّ على ثعلب حيث مَنَعَ وقوعَ جملةِ القسم خبراً. وجَوَّز أبو البقاء في "الذين" النصبَ على الاشتغال بفعلٍ مضمرٍ، أي: لَنُبَوِّئَنَّ الذين. ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يجوز أن يُفَسِّر عاملاً إلا ما جاز أَنْ يعملَ، وأنت لو قلت: "زيداً لأضْرِبَنَّ" لم يَجُزْ، فكذا لا يجوزُ "زيداً لأضربنَّه".
وقوله: { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يجوز أن يعودَ الضميرُ على الكفار، أي: لو كانوا يَعْلمون ذلك لرجَعوا مسلمين، أو على المؤمنين، أي: لاجتهدوا في الهجرةِ والإِحسانِ، كما فعل غيرُهم.